السبت، 5 سبتمبر 2015

جسور زجاجية





كانت طرقنا مختلفة لم يكن من الطبيعي أن تتقاطع، نملك بالطبع دوائر مشتركة لكننا كنا ندور متقابلين في تلك الدوائر بنفس السرعة و في نفس الاتجاه لذا لم يكن مقدر لنا أبدا أن نتلاقي، سنظل ندور إلي ما لا نهاية و جل ما يمكن أن يحدث أن نري آثار بعضنا البعض و نتسائل في دهشة عنها ، هكذا كان الأمر كان من المفترض أن يظل كلانا للآخر خيال عابر شبح جميل ربما هكذا كنا سنتفادي الألم القادم كله و سنتفادي الندوب التي ستظل ملتصقة بأرواحنا للأبد لكن في الوقت ذاته كنا سنتفادي الأمور الطيبة التي حدثت فهذه هي الدنيا كل ألم ستتفاده ستفوت مقابله سحر رائع.

علي أي حال ما حدث بعد هذا لم يكن اختيارنا فجأة نشأ هذا الطريق من العدم توسط الدوائر أصبح هناك طريق ممكن ليري كلا منا شبحه، كان الأمر غريبا غير منطقي سطور قليلة كان من الممكن أن تختفي وسط آلاف السطور و لن أراها ثانية لو أنني نمت مبكرا في تلك الليلة الساحرة، بضع درجات كان من الممكن أن افقدها فلا يكتمل انفتاح الطريق و يظل سراب عابر جميل، لكنه أثر الفراشة كم ينبغي له أن يكون و قدرنا أن نتلاقي حتي لو كان هذا ضد المنطق، ظهر الطريق اذا كان لامع مبهر يغوي كلينا أن نخوضه لكنه أيضا كان هش كما سنكتشف فيما بعد، كان الطريق يمتد في الفراغ شفاف يمكنك أن تري من تحته الهوة السحيقة التي ستسقط فيها في حالة انهيار الطريق، لكنني ظننت أن الطريق صلب رغم أنه كان شفاف إلا أنه كان يبدو أشبه بطرق تلك المدينة التي بناها النبي سليمان لبلقيس، طرق شفافة تخيف السائر عليها من الانهيار لكنها في ذات الوقت صلبة تغري العارف حقيقتها بالجري فوقها لكي يصل لنهاية الطريق سريعا، هكذا كان الأمر طريق مبهر هش لكنه يبدو صلب في نفس الوقت، نشأ من العدم لهذا كان يغرينا أن نسرع فيه قبل أن يختفي ثانية، و بالفعل تمت الخطوات الأولي سريعة واثقة من نفسها و بدا أن الطريق يزداد صلابة كلما خطونا فيه الخطوة تلو الأخري، لكن يبدو أن هذه هي طبيعة تلك الجسور الساحرة تغريك بالتورط ثم بمجرد أن تبتعد قليلا عن الأرض الصلبة تبدأ في الانهيار، حدث كل شيء سريعا بعد هذا.

يمكننا أن نتحدث عن تفاصيل ما حدث لكن لا يفيد هذا الآن، فقط يمكننا أن نقول أن الضباب غلف الجسر/الطريق و بدأ الزجاج الهش المكون الطريق في التشقق، أحدنا قرر العودة للأرض الصلبة التي كان يقف عليها و الآخر حاول أن يكمل الطريق سريع لم يعرف أن ثقل خطواته ستسرع عملية شرخ الزجاج، أيضا يمكننا التحدث عن الحبال التي حاول كلا الطرفين أن يلقيها ناحية الآخر لكنها كانت أضعف من أن تعوض الجسر المنهار، ربما كان الجسر رغم كل شيء هو الحل، ربما كان من الأفضل أن يعكف كلا منهما علي تدعيمه بدلا من الخوف و من ثم اندفاع كلا منهما في الاتجاه الذي ظن أن نجاته تكمن فيه فتسببت سرعتهما في مئات الفجوات، الآن الطريق اللامع لا يزال موجود لكنه خرب ممتلئ بالفجوات و بالزجاج الذي يخترق الأرجل الناعمة مخيف يجعل كلا منهما يخاف أن يطأه ثانية فوخزات الألم التي أصابت القلوب لا زالت حاضرة بقوة و الخوف لا يزال كامن في الأرواح، لكن الطريق أيضا لا يزال لامع يغوي الناظر له يدفعه للبحث عن وسيلة اجتيازه و سد الحفر به، ربما الأسلم أن يبتعدا عن الجسر لكن أيضا قد يكون الجسر طريق نجاة و أنه في لحظة معينة بعد زمن سيكشف عن نفسه ، الأمر غرائبي كبدايته تماما لا يمكن لأحد أن يجزم بماهية هذا الجسر أبدا، ربما الزمن وحده قادر علي هذا...