الاثنين، 30 نوفمبر 2015

فؤاد

افتح الفيسبوك افاجئ ببوست مكتوب فيه ان ياسمين مؤمن قد توفيت، انظر سريعا في التعليقات لاجد التعديل الذي سيخبرنا ان المقصود احد اقاربها وليس ياسمين نفسها بالتأكيد الأمر خطأ من صاحبة البوست ولكنني بدلا من التعديل اجد خبر اشد فجاعة بشمهندس محمود مصاب وحالته حرجة، ثم بعدها بدقائق اجد بوست لخالد يحيي مكتوب به كلمتين فقط فؤاد مات...
 
لا زالت لم استوعب الامر بعد كيف يحدث هذا ولماذا يحدث هذا، هو قدر الله الذي لن يفهمه مخنا البشري العاجز لكننا يجب أن نقبل به، اغالب دموعي بينما انا في طريقي للمقطم استعدادا لتأمين الانتخابات، اكلم علاء لأساله ماذا يريد ان يأكل، يرد علي بصوت مخنوق ودموعه لم تجف بعد لكنني لا اعلق فهذا ليس وقت التعليقات، اتحدث كأنني لم الاحظ شيء، بينما قلبي يدمي.
 
اندمج مع رفاق الجيش، اضحك قليلا كأنني لم اسمع منذ قليل أحد ابشع اخبار ٢٠١٥، كأنها مزحة ثقيلة وسيكلمني محمود بعدها يخبرني بصوته الودود "دوول بيهزروا يا افندم " ، او وربما لانني لا استطيع ان اظهر حزني بينما مئات الجنود يحيطون بي، اندمج وأنا اعلم ان الحزن مؤجل فالأمر اشبه بالجندي الذي يصاب برصاصة في جسده لا يكتشفها إلا عندما ينبهه أحد رفاقه.
 
فؤاد و ياسمين الذين حضرت كتب كتابهم منذ شهور قليلة اختفوا من حياتنا في لحظة ويجب علينا ان نتعامل مع الأمر وان تستمر الحياة كأن شيء لم يحدث، نفس الطريق الذي مات عليه عمر اسامة يموت عليه الآن مزيد من الأحبة، أصبحت اكره كلمة وادي النطرون كلما سمعتها سأتذكر فؤاد وياسمين وعمر و الجروح التي لن تندمل...
 
لسبب مجهول احتفظت بكارت كتب كتابهم، لم اخرجه من محفظتي منذ ان امسكته بيدي، ليست عادتي حتي لو اردت ان احتفظ بكارت لا احتفظ به في محفظتي، البارحة فقط عرفت لماذا احتفظت به هو  الذكري الأخيرة من فؤاد.
 
البشمهندس الذي احببته اكثر من غيره طوال سنوات دراستي في الكلية، البشمهندس الذي طلبت مساعدته في الالكترونكس علي النت فاعطاني بكل اريحية رقمه لاكلمه في اي وقت فهكذا سافهم اكثر، محمود الذي جاء لنا ليساعدنا في ساعة متأخرة من الليل وسهر معانا  عندما كنا علي بعد امتار قليلة من بيته  منهمكين في مشروع السنة الثالثة رغم انه لم يكن يدرسلنا حينها، الصديق الذي لم يبخل علي ابدا بنصائحه، هو من اوائل الناس الذين سألتهم عن الحيرة بين الكلية والشغل في شركة، الصديق الذي كنت افكر دوما انني سأكون سعيدا اذا عملت بنفس شركته،الصديق الذي فرحت  بطفولية عندما علمت انه خريج مدرستي، فهذا رابط آخر يربط بيننا.
 
منذ اسابيع قليلة كان عيد ميلاده اهنئه فيخبرني انه يفتقدني، اوعده انني سأقابله اجازتي القادمة ولكن اجازتي القادمة آتت دون فؤاد، حتى انني لم اودعه الوداع الاخير، انام في مدرسة في المطرية بينما فؤاد يرقد علي بعد مئات الكيلومترات في مثواه الأخيردون ان اقول سلاما ولا استطيع ان افعل شيء حيال هذا...
ياسمين ذات الوجه الملائكي التي لم اعرفها شخصيا لكنها كانت زمليتي في الدفعة  لن نراها ثانية، لن نري ابتسامتها الملائكية وهي بجانب محمود بعد الآن، افكر لوهلة ربما توفت ياسمين ولحق بها محمود بعد ساعات قليلة لاستحالة حياة احدهما دون الآخر متحملا آلام الفقد الرهيبة، ربما الأمر مصيبة لنا لكنه الأفضل لهما، ربما لا اعلم تحديدا.
 
الآن فقط استعيد عدم التوازن الذي ظننت انني شفيت منه، اتحدث مع تاح، اتحدث مع احبة واصدقاء لعل روحي الحائرة تهدأ، اضحك لكن عندما يعم الصمت حولي اتذكر كل ما حدث، اتذكر وجه محمود، رحلته التي لم تكتمل كأنها صفحة مبتورة في رواية لمحفوظ، ضحكته الصافية، وجه ياسمين، صورة زفافهما، ثم حقيقة انني رغم كل المآسي التي شهدتها والزملاء الذين توفوا إلا ان محمود يصبح هو الأول بهذا القرب مني.

سلاما علي روحك الجميلة يا محمود، سلاما يا ياسمين...
 


 

 

 

 

 

الخميس، 26 نوفمبر 2015

23



"God, grant me the serenity to accept the things I cannot change,The courage to change the things I can,And the wisdom to know the difference."
 Serenity Prayer

حسنا أكملت الـ 23 عاما، دوما أكون سعيدا يوم عيد ميلادى، أتفائل بعامي الجديد في هذا العالم الكئيب، أردد دوما لعل القادم أفضل، أثق أنني ربما سأحقق الكثير في عامي القادم ان شاء الله، كانت السنة الفائتة صعبة إلي حد كبير، لم أكتب من قبل نصا طويلا في يوم عيد ميلادى، لكن مؤخرا أصبح التدوين غوايتي التي لا أستطيع مقاومتها والعام الفائت من عمري ربما يستحق الكتابة عنه.

23 هو عام الأسئلة الحقيقية، ربما هو عام الشك الذى يسبق اليقين، تتسائل في حيرة عن كل شيء، تصبح روحك قلقة مضطربة تبحث عن الطريق في جزع وبمجرد أن تجده تكتشف أنه سراب، هو عام اكتشاف النفس ما اصعب اكتشاف نفسك وسط كل تلك الحيرة! من أنت؟ ماذا تريد؟ كيف تتعامل مع هذا العالم؟ مئات الأسئلة، عشرات الليالي السيئة، أحلام تجهض وأخري تولد بينما أنت لم تفرغ بعد من البكاء، العالم يتداعي من حولك بينما أنت منكفئ علي نفسك لتمنع عالمك الداخلي من الانهيار هو الآخر.


“بنلف في دواير والدنيا تلف بينا
ودايماً ننتهي لمطرح ما إبتدينا
طيور الفجر تايهة في عتمة المدينة .. بتدور"
عبد الرحمن الأبنودي


 اتسائل في بدايات عامي الفائت في حيرة متي أصبحت بشمهندس محمود؟ ذاك الذى اصبح معيدا يشرح للطلبة بعد أن كان طالبا يجلس فى الجهة الأخرى من المدرج منذ شهور قليلة، ثم بعد شهور قليلة أصبح التساؤل كيف أصبحت جندي محمود؟ ماذا أفعل في تلك المعسكرات والصحاري التي يأكل صمتها روحك ويثير اتساعها شجونك؟ متي أطلقت رصاص حقيقي أول مرة فجفلت عيني و ارتعد قلبي خوفا ومع ارتعاده انتهت احلام الطفولة في حمل السلاح، ثم في المرة الثانية اكتشفت لم أعد أخاف من صوت الرصاص بل ربما أحبتته، لم أطلق رصاص حتي الآن إلا مرة واحدة بعد تلك المرتين لكنني اعتدت صوت الرصاص ولم أعد أخافه لكن رغم هذا لم تعد أحلام الطفولة ثانية. متي أصبحت أفكر في أنني اذا سافرت ربما يرحل الأحبة وانا بعيد عنهم؟عشرات الأسئلة بلا إجابة.

 لم أعرف معني كلمة "الهشاشة" التي كان يرددها الكثيرون إلا في هذه السنة الفائتة من عمري، هشاشة تدفعك للخوف من عدم تحقيق أحلامك، الخوف أن تظل أمانيك حبيسة ذهنك إلى أن تتطاير بعد سنين قليلة وتصبح أنت حبيس (ساقية الحياة) التي طالما رددت أنك لن تصبح أسيرها، ‎هشاشة من أن تختار طريق خاطئ وسط الطرق الكثيرة التي تلوح أمامك. لا أعرف سبب لتلك الهشاشة، ربما كانت بسبب الجيش لكنني أعلم في أعماق نفسي أن تلك الحيرة جاءت قبل الجيش بشهور فقط قد يكون الجيش عامل محفز لا أكثر ولا أقل، ربما لأن هذا العام كان بداية احتكاكي بالعالم الحقيقي، بداية صدام قيم ثورتنا التي آمنا بها مع قيم المجتمع متمثلة في أسئلة من نوعية "هل تذهب مع التيار وشغلانة كويسة عشان الفلوس لكن في المقابل يعني هذا اندماج تام فى الساقية"، هل كل تلك الحيرة بسبب هذا الصدام؟ أم أن الأمر ببساطة  مرحلة انعدام الوزن  نمر بها جميعا عند بداية مرحلة جديدة وثمن بسيط لمزيد من الحكمة مثلما يقول هاني المصري الجميل - رحمه الله- في هذا البوست

"قال الشيخ عبد ربه التائه : فى الصحراء واحة هى أمل الضال ."
نجيب محفوظ 

حسنا دعنا من أحاديث الحيرة ولنتحدث عن أشياء سعيدة حدثت في السنة الماضية. كتبت في الشهور الفائتة كما لم أكتب من قبل، تطورت قدراتي الكتابية، أعجبتني العديد من النصوص التي كتبتها، الكثير من الألم الذي أصابني تحول لنصوص جميلة، أحب الكتابة كثيرا، لأول مرة افكر انني قد اختارها واترك الهندسة عشقي القديم في حال اضطراري للقيام باختيار من هذا النوع لكنني سرعان ما انفض تلك الفكرة من ذهني، أحب الكتابة لكنني احيانا أشعر أنها  تأكل روحي  وتجعلني أشعر بالألم كما لم أشعر به من قبل كأنها ماء موصل للكهرباء فاخاف منها. بدأت كتابة روايتي الأولي، لا أعرف متي سأنتهي منها لكنني أثق أنها ستكون جيدة.

يمكنني الزعم أيضا أنني رغم كل الحيرة والتشتت إلا أنني اكتشفت نفسي أكثر، تأكدت من حبي للهندسة، بيقولوا في مصر محدش بيطلع الحاجة اللي بيحبها والطبيعي ان الناس لما تتسأل كان نفسك تبقي ايه بيجاوبوا اجابة غير وظيفتهم الحالية لكن انا اجابتي كان نفسي اطلع مهندس :))، ربما الآن أمر بفترة عدم ثقة فى قدراتي كمهندس ناتجة عن الحيرة والتشتت، لكنني أعرف أنني مهندس لا بأس به،  متخرج من الكلية بتقدير امتياز وكنت فاهم في الكلية مش مجرد تقدير وخلاص بس حاليا عندي أزمة ثقة شوية، يمكن الأزمة ديه هي اللي حسمت حيرتي في ايه الخطوة الجاية اللي لازم اخدها هل أسافر ولا اشتغل هنا اكاديمي ولا اشتغل في الصناعة، أعتقد اني حاليا بنسبة 90% حسمت قراري، هأجل خطوة السفر شوية واشتغل شوية مهندس لحد لما اتجاوز أزمة الثقة ديه وأتاكد اني مهندس كويس فعلا.

اكتشفت أني محتاج ابقى اكثر ثقة فى نفسى شوية وابطل حتة انى لازم ابقى عارف كل حاجة قبل ما اتكلم، ساعات كتير بقيم نفسي أقل بكتير مما استحق ( underrate myself) وده مش صح لازم اكون اكثر ثقة في قدراتي وشخصيتي من كدة، انا مش بحب أفتي وبكره الناس اللي بتتكلم وهي جاهلة بس انا ساعات كتير ببقي عارف الصح بس مش بحب اقولها لاني مش واثق ١٠٠٪ فيها وده مش صح محتاج أكون أكثر جرأة. اكتشفت أنني أحب السفر، رأيت في تجربة الجيش نماذج لوظائف يسافر أصحابها للعديد من دول العالم، أحببت هذا النوع من الوظائف، ربما لو قدر لي أن أجد وظيفة مثل هذه لن أتردد، وفي كل الأحوال بالتأكيد سأخوض تجربة السفر للعديد من البلدان قريبا. بداية من شهر سبتمبر بدأت حالتي النفسية في التحسن، بدأت الحيرة تقل و عملت علي عدد من الخطط التي لا بأس بها بالنسبة لخطوتي القادمة، اتراجع عن بعضها لكن ليس تراجع بسبب الحيرة  مثل الشهور السابقة لكنه تراجع شخص يعرف ما يريد، اتفائل دوما بالخريف وجوه الساحر، ربما لهذا اطمئنت نفسي بقدومه، رغم بعض المشاكل التي حدثت في هذه الأيام إلا أنها تظل أفضل أيامي في 2015، في شهور الخريف هذا العام اكتشفت أنني لا زالت قادرا على صنع الكثير من الأشياء السحرية وفعلت إحداها في بداية شهر نوفمبر، اكتشفت أن روحي قادرة دوما علي تجاوز الألم والبدء من جديد، كتبت مقال جديد عن الثورة بعض غياب 10 أشهر و كان محمل بالتفاؤل. اكتشفت أنه التفكير كثيرا بدون فعل يسبب أذي للروح وأنه من الأفضل أن أبدا في خوض الطرق و لا بأس في البدء من جديد إن اكتشفت أن الطريق الذي أسير به ليس صحيحا.

"وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ"
صلاة مسيحية

أؤمن أننا ربما لسنا قادرين علي تحمل كل التجارب وأنه أحيانا يكون من الأفضل لنا أن لا ندخل في تجربة لا قبل لنا بها، لكنني أؤمن أيضا أنه هناك تجارب يجب أن ندخلها لنتعلم منها رغم صعوبتها، العام الفائت كان به العديد من تلك التجارب المميزة، أهم تلك التجارب تجربتان احداهما  الجيش، الجيش يحتاج مئات الصفحات للكتابة عنه سأكتب عنه بالتأكيد لكن ليس الآن. التجربة الأخرى كانت مليئة بلحظات السعادة والألم لا أشعر أنني أريد الكتابة عنها الآن لكنها تظل تجربة مميزة وبالتأكيد كان يجب أن أمر بها رغم كل ألمها.

أجمل ما في عيد ميلادي هذا العام رغم كل الحيرة والتشتت انه يتبقي فقط ٩٥ يوما علي نهاية تجربة الجيش، أملك العديد من الأمنيات للعام القادم،  لن أكتب عنها الآن، فقط أذكر انني أتمنى أن تتحقق الـ  Serenity Prayer وأن تظل روحي الحائرة هادئة مثلما هي الآن وقت كتابة هذا النص. 

عيد ميلاد سعيد لنفسي ^_^