الاثنين، 27 أبريل 2020

منين بيجي الشجن

"منين بيجي الشجن من اختلاف الزمن"

الزمن ومروره دايما هيفضل من الحاجات المحيرة ليا، الزمن اللي بيخلي حاجات زي قصص الحب الأسطورية تنتهي وأطراف القصص ديه يتجوزا أشخاص مختلفة كأن القصص ديه محصلتش يوما ما مش بيتبقي منها الا كومنتات عابرة متنتورة تحت صور ومنشورات قديمة. يعني شخصيا ساعات بفتكر قصص عاصرتها عن قرب وكنت عارف تفاصيلها واطراف القصص ديه راحوا في طرق مختلفة تماما كأنهم متقابلوش يوما ما، ساعات بستغرب من الحياة  وساعات بدور على بقايا الحكايات ديه كأني باتأكد انها فعلا حصلت.

الموضوع ده مش متوقف على قصص الحب بس حتى النزاعات بتنتهي وأطرافها بيسلموا على بعض بايماءة رأس خفيفة لما يتقابلوا رغم أن الخلافات ديه ممكن كانت مشتعلة لدرجة تخلينا نفتكر انها مش هتنتهي للأبد لكنها بالفعل بتنتهي عادي جدا ومش بيتبقي الا ذكرى ضبابية  عن خناقة ما كانت موجودة في زمن بعيد. لما قريت الجزء الأخير من هاري بوتر كان في في اخره فقرة عن عالم السحر بعد سنين من موت فولدمورت، مالفوي هيهز راسه تحية مقتضبة لهاري بوتر وصحابه، ساعتها مركزتش في الموقف ده دلوقتي قادر افهم هو ايه بالظبط اللي حصل لأني شفت حاجات شبه كدة على أرض الواقع واعتقد معظم اللي بيقروا الكلام ده شافوا حاجات شبيهة. 

وزي ما ضبابية ذكريات العداوات بتخليها تنتهي فممكن جدا يحصل العكس وفي نزاعات هتستمر للأبد  واطرافها مش هيبصوا في وش بعض تاني رغم ان في الحقيقة اسباب الخلاف زالت بس لأن الموضوع بقى ضبابي محدش بياخد باله أن أسباب النزاع انتهت لأنه أصلا مفيش صورة واضحة عن النزاع ده كان ليه، كل اللي بيتبقي شعور بخذلان أو غضب أو أي مشاعر سلبية بتضمن استمرار العداوة

من الحاجات اللي بتأكدلي مرور الزمن بشكل شخصي هو ان العالم اللي فيه ذكريات دراستي الجامعية  الذكريات اللي بتضمن لقطات كتير عن نادي كتاب والمبادرات الشبابية والثقافية زي ألوان ودواير و حاجات شبه مباشر من هندسة القاهرة، ولقطات عن اضرابات عن الامتحانات ولجان طلابية بتعمل مفاوضات مع ادارة الكلية، العالم ده انتهى معادش موجود أصلا، ولو سألت حد عن الحاجات ديه وهو مكانش حاضر أثناء انشائها مش هيعرفها وهيبصلك باستغراب أو ممكن يقولك بتردد انه لمح بوستر مهمل في مكان ما موصلتلوش ايد العمال بيتكلم عن احد الأنشطة ديه، الطلاب اللي في الجامعة دلوقتي مثلا الغاء الميدتيرمات ده بالنسبة ليهم حدث تاريخي ميعرفوش ان من كام سنة بس في دفعات طول دراستها في الكلية كانت القاعدة ان الميدتيرمات بتتأجل وبتبقي مش منتظمة. عوالم انتهت تماما لدرجة ممكن تخلينا احنا اللي عشناها نحس اننا كنا في حلم أو مسلسل ونستغرب ان العوالم ديه كانت هي العالم الحقيقي اللي احنا عايشين فيه. 

الشئ المدهش الأخير بالنسبة ليا ان مرور الزمن ده خلا أبطال العوالم المنهارة ديه( معظمهم) يقدروا يكملوا حياتهم وكأن اللي حصل ده كان مجرد حاجة عملت شوية تشوش واضطراب زي حجر في بركة لكن الماية سريعا ما استعادت هدوئها، فهتلاقي عادي جدا أن شخصيات كانت جزء رئيسي من مشاهد التمرد/ المبادرات المليانة شباب وحيوية هم نفسهم اللي كملوا مسار حياتهم العادي اللي كان مخطط ليهم قبل الثورة، كارير ناجح والبحث عن زواج سعيد والخ من الطموحات الشخصية الهادية ديه. بس في رأيي ان الهدوء ده واستكمال مسار حياة ما قبل الاضطراب هو مجرد هدوء ظاهري لكن تحت الماية الساكنة في تفاعلات حقيقية حصلت بس مش بتبان للي باصص من بعيد. مثلا حاجات زي ان الناس بقت تبص انها تسافر برة تكمل حياتها وكاريرها ده كان اختيار موجود طول الوقت ويبان انه سكة وخطة اصيلة بس معتقدش أنه كان هيبقي اختيار كتير بيفكر فيه بجدية (شخصيا نص صحابي القريبين برة مصر او في طريقهم لده) لولا العوالم المنهارة  فاه الناس تبدو من  بعيد انها كملت سككها الأصلية بس في الحقيقية هي السكك الأصلية اتغيرت تماما بس في سكك تبدو من بعيد مشابهة جدا للأصل فمحدش بياخد باله

ده كان نص عن الزمن ومروره بس في النص كان لازم اخبط  في الثورة لأن أعتقد التجربة الشخصية وتجربتي جيلي الثورة جزء أصيل منها ومفيش أحسن من الحب والثورة للكتابة عن مرور الزمن

منين بيجي الشجن .. من اختلاف الزمن"
"ومنين بيجي الهوى .. من ائتلاف الهوى
سيد حجاب

الأربعاء، 10 أبريل 2019

يخبرني أصدقائي أنني أملك قلب كالذهب، تخبرني فتاتي السابقة أنني أحصد محبة الجميع بلا أدني مجهود، تخبرني فتاتي الحالية التي في طريقها لتصبح سابقة هى الأخري أنني أقوم بفعل الأشياء كلها على أكمل وجه، يخبرني صديق مقرب أنني أحسن شخصية تعرف عليها يوما ما. 

حسنا في لحظات ضعفي لا أصدقهم جميعا!

السبت، 28 يوليو 2018

غواية الحكايات



لحكايات الراحلين فتنتها التي تغوي الكثيرين وتدفعهم لمطاردة خيوط بقايا حكايات غابرة لكتاب، وشعراء، حتى حكايات أجدادنا الشخصية جدا يطاردها بعضنا في شغف بحثا عن رسائل مهملة، أَو صور باهتة تخبرنا كيف عاش أسلافنا. لا نقنع بالكتابات الجافة أو الصور الباهتة فنبحث عن الحكايات في عقول وأحاديث من شهد سيرة الراحلين. نطوف بالشوارع التي عاشوا بها والبيوت التي سكنوها فربما نجد قطعة أخرى تكمل القصص المبتورة.
أقرأ منشور لفتاة سعيدة لأن الدولة - علي غير المعتاد- تضع لافتة مكتوب عليها " هنا عاش الكاتب أحمد بهجت ". ابتسم فتكريم معنوي لجد الفتاة الكاتب العظيم يستحق السعادة، ثم أفكر في أنه ربما في هذا البيت اقتفت الفتاة آثار حياة جدها، وربما في المستقبل سيطارد أحدهم أشباح ما تبقى من حكاوي الأديب الراحل.
نطارد أشباح الراحلين لكننا ربما لا نرى سوى وجها واحدا للقصة، نسير في الشوارع التي ساروا فيها لكننا نغفل أن هناك طرق وطئوها في طفولتهم وأخري بكوا فيها في مراهقتهم لا ندري عنها شيئا.
ربما مستقبلا سأطارد حكايات جدي في شوارع بولاق الضيقة وسأبحث عن بقاياها في قريتنا الصغيرة في جنوب، لكنني - في الأغلب- سأغفل عن السنوات التي قضاها في النيل و الأخري التي كانت في صحراء ليبيا.
أحببت فيلم loving Vincent فالبطل طارد حكايات فان جوخ في عدة مدن، لم يكتف بالبيت الأخير الذي سُمع فيه دوي الرصاصة التي أنهت حياته. ربما هذا البيت يحمل الآن "هنا عاش فان جوخ" لكن في الحقيقة "هنا عاش فان جوخ" تشير لعدة بيوت أو هكذا أؤمن.


Photo credit:  Ahmed Hatem El-Kady  

الثلاثاء، 24 يوليو 2018

في التاسعة من عمري كانت جنودي البلاستيكية التي حصلت عليها في العيد الفائت تستعد لغزو العالم، تحت الضوء الأبيض للمصباح تلمع ثمانية عشر عصا بلاستيكية انتهيت للتو من تنضيفهم من آثار الآيس الكريم الذي كن يحملن استعدادا لبناء تسعة طائرات تمثلن قوتي الجوية الضاربة، ذلك قبل أن يكتشف سمير رفيق طفولتي المحل الذي يبيع طائرات صغيرة ستحل محل عصيان الآيس الكريم. عشرون كرة زجاجية من البلي حين تحين ساعة الصفر ستبدأن في الغوص للضفة الأخري من المياه الممثلة في الاربع بلاطات العاريات من السجاد. وفي الخلف يمكنك أن تلمح مكعبات أختي مرصوصة على هيئة حصن منيع لتلافي هجمات العدو المضادة.
في السادسة عشر من عمري كنت قد طورت خططي قليلا، لم يعد هناك حاجة للجنود البلاستيكية فعالم من الآحاد والأصفار سيحل محلها. قضيت عدة أمسيات عاكفا على صبغ خريطة العالم بلون دولتي الافتراضية، أحيانا تعرض الشاشة معارك بالسيوف وأحيانا أخري كانت تضئ الشاشة معلنة عن انفجار قنبلة نووية، بينما سلاحي الحقيقي كان عدة نقرات على قطعة بلاستيكية تشبه فأر تعقبها خبطات للوحة مفاتيح ذات ثلاث نقط مضيئة في ركنها العلوي الأيمن.
في الخامسة والعشرين استبدل سلاسل معدنية تحمل أعلام زاهية مختلفة بنقرات كنت ألون بها خارطة العالم بلون أحمر قاتم وسلاحي الجديد تذاكر ورقية تحمل حروف لاتينية تمثل أسماء الأعلام الزاهية.
في درج المكتب بزاوية غرفتي وبالقرب من البلاطات التي كانت تمثل بحر واسع للطفل الصغير تقبع سلاسلي المعدنية كتذكار سلام يذكرني دوما أن هذا العالم اكتفى من الأطفال الذين يريدون أن يغزوه.

الجمعة، 13 أبريل 2018

صوت من زمن آخر: في ظلال الهدي النبوي

يوم آخر في زحام قاهرة المعز المدينة الصاخبة التي يمكنك أن تكرهها كالجحيم لكنك تعود إليها ثانية مرغما أو مفتقدا أشياء لا تستطيع أن تحددها، فتتظاهر بأنك مرغما هربا من التفكير في علاقتك المعقدة بالمدينة العجوز.رحلة أخرى طويلة من طرف المدينة لجانبها الآخر، رحلة تكفي للتفكير في الحياة ومساراتها المعقدة وضغوطها وكل تلك الأشياء، المزيد من التفكير الذي لا ينتهي.
سيل الأفكار المتدفق يقطعه صوت خافت رخيم ينبعث من راديو السيارة، " في ظلال الهدي النبوي، اللهم صلي على سيدنا محمد..."، ابتسم فهذا الصوت ينتمي لزمن آخر، زمن يجلس فيه جدي على فراشه بعد ان انتهى من ارتشاف كوب الشاي الصباحي يستمع لإذاعة القرآن الكريم في بداية يومه، بينما الطفل الصغير الذي كنت يستعد للذهاب للمدرسة فتخترق أذنيه الكلمات الرخيمة فتبث في روحه الكثير من الدفء لازال يشعر به بعد خمسة عشر عاما كلما استمع للصوت الرخيم التي يعقبها صوت أحمد عمر هاشم الذي لم يستطع الفتى أن يكرهه أبدا رغم أنه كان جزء من الرموز التي تهاوت في سنوات ما بعد يناير الدامية.
أطلب من أبي أن يرفع صوت المذياع قليلا وأفكر انني أحيانا كثيرة كنت أتمني لو أن جدي ظل حيا وأنا أكثر نضجا، كنت سأجلس على طرف سريره لأستمع لحكاياته المثيرة دون ملل، فالريس "عبدالله" الذي بدأ حياته في العمل على سطح المراكب النيلية ثم ذهب إلى ليبيا وانتهى به المطاف ليستقر في القاهرة تاركا بلادنا الطيبة الدافئة في أقصى الجنوب كان يملك الكثير ليحكيه، وأنا المهندس الذي قضي جل سنوات عمره يعبث بالأرقام الجافة والمسائل الحسابية المعقدة أصبحت أكثر شغفا بحكايات الجدود الدافئة و حكاوي البشر الحميمية التي تدهشني.
ينتهي البرنامج ويرتفع الصوت الرخيم ثانية فانتقل لزمن آخر يفصله عن الزمن الأول سنوات قليلة، زمنا أستيقظ من النوم فيه للذهاب للسعيدية بينما يخترق الصوت الرخيم أذني، أجد أبي مستيقظا كعادته باكرا يستعد للذهاب لعمله بعد أن تناول إفطاره، ابتسم في سري فرحا لعودته للقاهرة ثانية بعد رحلة طويلة كان بها بأسيوط أو اسكندرية أو ايا من تلك المدن الكثيرة التي نُقل إليها في تلك الأيام الغابرة التي كافح فيها من أجلنا كثيرا!
يرتفع صوت الشعراوي فأعود للحاضر مبتسما وانظر لوجه أبي المنهمك في السواقة الذي لا يلاحظني فأشعر بالسكينة تملأ روحي و استعد للهبوط لبدء يوم آخر في القاهرة العجوز.



*مقدمة برنامج " في ظلال الهدي النبوي" المشار إليه 




الأحد، 3 ديسمبر 2017

حلم خفيف



برد متعب جدا أصابني بعد رحلتي لسيوة، أصل لمنزلنا الجديد الحادية عشر مساءا بعد يوم طويل، نصف يوم في الشغل ثم مقابلة منة ثم الذهاب لخالي محمود، ثم بيتنا القديم ببولاق ومقابلة باسم، وأخيرا الذهاب لأكتوبر حيث أمي وأبي ونورهان. بعد الحكايات والسلامات ومشاهدة مباراة الريال، أبتلع أقراص البرد التي تسبب النعاس، أفكر قبل أن أغرق في النوم أننى أحيانا كثيرة أحب هذا النعاس فهو يجعلني استغرق في نوم غريب يجعلني لا أشعر بأعراض البرد، وفي أحيانا كثيرا أستيقظ أفضل حالا. أتمنى أحيانا أن يوجد أقراص مثل هذه لكن لتعقيدات علاقتنا، نتناولها وننام ثم نستيقظ ونحن أكثر خفة  بينما كل التعقيدات انتهت، وطارت بعيدا. 


 على " كوبري قصر النيل "  أو "كوبري أكتوبر" - لا أدري تحديدا وجدت نفسي، النيل المظلم يمتد على جانبي (الكوبري) بينما أنا أركب في سيارة تجتازه، أجد نفسي في نهاية طابور مكون من عدة سيارات، يبدو الأمر كأننا ذاهبين لحضور فرح. في منتصف (الكوبري) يتوقف المرور تماما لكن في اللحظة الأخيرة  قبل التوقف تمرق السيارة التي أمامي وتجتاز الاختناق المروري ! أنظر للسيارة فألمح صديقة عزيزة بها!

الطريق مغلق تماما ولا استطيع المرور، أفكر في ضيق أنني لن ألحق بالفرح، انظر حولي فأجد الكثير من الناس يتهامسون، أسمع همهمات عن الحادثة التي حدثت في النيل، أحدهم ينظر في رعب للمياه المظلمة ويهتف طفلة غارقة، ألتفت سريعا فلا أجد سوى 
طوف خشبي يتجرفه المياه سريعا نحو الشمال، وعلى الطوف يرقد شيىء لا أتبين ما هو.  أراقب الطوف لكنه  يمرق سريعا فيصبح أسفل (الكوبري) حينها أنظر ثانية للمياه، أفاجئ بسيل من الأشياء المظلمة يجرفها التيار تشبه هياكل بشر مسربلة في عباءات سوداء مهترءة تشبه الديمنتورات في عالم هاري بوتر. أبدا في الاستيعاب أن هذه جثث الحادثة لا أتذكر بماذا شعرت لكننى سرعان ما ألمح بقع من الزيت الداكنة في المياه فأشعر بالذعربسبب خاطر سخيف  أنه ربما بعض ضحايا الحادثة لم يستطيعوا السباحة بسبب هذه البقع،  أنظر للطريق لأتبين متي سيفتح  ثانية،  حينها أجد آثار بقع الزيت السوداء،  أتخيل أن عربة ما انزلقت بسبب هذا الزيت ثم أشعر بالخوف لأنني أتذكر فيلما ما أو قصة سيشتعل فيها هذا الزيت بعد أن يشتعل الزيت بالماء وستلتهم النيران الناتجة جميع الأحياء بالمنطقة، أقرر الفرار سريعا. أمرق للناحية الأخرى من الكوبري على قدميي تاركا العربة. 


انظر لموبايلي أجد مكالمتين غير مجابتين،المكالمة الأولى من والد صديقتي العزيزة التي كانت بالسيارة قبل الأخيرة والثانية من أخوها، أشعر بالاستغراب، متي سجلت رقمهما، أحاول أتذكر متى تعرفت عليهما لا أتذكر!  أضغط على نمرة أخيها ثم أغلق الخط قبل أن يرن، أقرر أن أكلم صديقتي أولا لأستفسر منها ربما هي من كلمتني لأنها لا تملك رصيد. ترد تقول لي أن أباها وأخوها هما من اتصلا بي بالفعل، تخبرني أنهما ذاهبين لعزاء الأطفال وضحايا الحادث،  وأنهما كانوا سيسألوني إن كنت سألحق بهما أم لا؟ أشعر بالغرابة ثانية ! لا أفهم ما الذي يربط بينهما وبين هذا الحادث ولماذا يتحدثان معي ! أغمغم بشيىء لا أتذكره، ربما كان عذرا لعدم حضوري أو أنني أخبرتها أنني سألحق بهما.أغلق الخط.

أجد نفسي في بيت لا أعرفه، أشعر بالحزن. من بعيد تقترب فتاة، هي الفتاة التي أحببت منذ سنتين، لا أري وجهها لكنني أستدل أنها هي بروحها التي كانت تملأ روحي سكينة. هذه زيارتها الثالثة أو الرابعة لي في أحد أحلامي، لكننى في هذه الزيارة أعي تماما أن ما بيننا انتهي وأن الحب وكل تلك الأشياء انتهت، لم يبق سوى صداقة ومعزة صادقة على الأقل من ناحيتي تقترب مني فأجفل،
 تسألني : مالك؟

أحكي لها ما حدث تخبرني بطريقتها العفوية أنه لا بأس، أشعر بسكينة، تتمادي في طمأنتي وتتحدث قليلا ثم أثناء حديثنا تنظر بداخل محفظتي، تلمح صورة محمود فؤاد وياسمين، تسألنى باندهاش: هل لازالت تحتفظ بها، أخبرها طبعا محمود من أكثر من أحببت يوما ما.تعبث بالصورة ثم تخرجها،  تجد ورائها ورقتان مطويتان، تختطفهما، وتنظر سريعا بهما، تلمح ما يخبرها أن هاتان الورقتان عنها
تعابثني وتضحك وهي تقول: يجب أن أقرا ما بهما

ابتسم فهي للمرة الأولى تظهر لي أنها تهتم بما كتبت عنها،  لكنني سرعان ما أشعر بالذعر، ربما كتبت في الورقتين نقد قاسي لها، أعرف غضبها غير المبرر وأكرهه فماذا عن غضبها المبرر، أقول لها اعطني الورقتين سأنظر بهما ثم أرجعهم لكن تعابثني قائلة لا ثم ترضخ في النهاية. انظر للورقتين،الكثير من الحب، الاشتياق، الألم الذي أصابني، شخبطات، عتاب خفيف لها، لا بأس  أعطى لها الورقتين ثانية لا انتظر رد فعل منها. لكنها تدهشني بأنها تظهر ردود أفعال تضحك، تتأثر بكلامي، تنظر لى بامتنان
أشعر بالسعادة، تختفي من أمامي.

قبل الاستيقاظ مباشرة أو بعد مباشرة لا أتذكر، أفكر أنني لم أرى ملامح الفتاة التي أشعرتني بكل تلك الخفة في الحلم فقط جزمت أنها فتاتي بسبب شعور السكينة، لكنني الآن أشعر أنها واحدة أخرى ربما هي رفيقة دربي المستقبلة ، فالسكينة الثانية التي أعقبت قرائتها لهواجسي لم تمنحني اياها السابقة قط. ابتسم لهذه الفكرة. استيقظ بخفة غير عادية، لأجد بالجو لمسة برد حانية تنعشني، أشعر بالامتنان للصديقة العزيزة في أول الحلم ولحبيبيتي السابقة وللفتاة الغامضة التي سببت كل هذه السكينة أيا كان من هي !


*كتبت 22-11-2017

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

بيت جديد



"وطن المرء ليس مكان ولادته و لكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب" 
عمر طاهر وأحيانا تنسب لنجيب محفوظ

انهاردة أول يوم من فترة كبيرة - ممكن سنة أو حتى 3 سنين مش فاكر بالظبط ! -  ابقى فاضي كدة، مش حاسس اني ورايا حاجة اعملها ولا حاسس أني فاضي فأنام أريح بقى، حتى مشاريع الكتابة اللي ورايا مش حاسس باحساس أني لازم أبدا في حاجة فيها وأخلصها، أنا طبعا الحاجات اللي ورايا مخلصتش وعندي مية مشروع ومية فكرة، بس هو شعور داخلى بأن عندي فراغ لدرجة تقترب من الملل، كأني طالب ابتدائي  في اجازة صيفية بعد أول أسبوع ما خلص كل اللي كان نفسه فيه وحس بفراغ. كلمت باسم ورغينا شوية، قلبت في مدونات بتابعها ملقتش حاجة جديدة، فقررت أرغى شوية هنا.

الوضع كالتالى: قاعد في بلكونة شقة في الدور الثاني في  الحى الرابع في مدينة 6 أكتوبر، المفروض ده بيتنا الجديد، حاسس أني ضيف لسة! بعد أربعة وعشرين سنة وبضعة شهور عشتها في بولاق الدكرور، خدوا الخطوة عندي في البيت وقرروا ينقلوا بيت جديد في ستة أكتوبر، علطول في البيت عندي كانوا بيتكلموا عن الخطوة ديه والكلام زاد بعد ما أخوالى نقلوا من بولاق، كنت دايما مرحب بالخطوة ديه، مدينة أكتوبر جميلة وبحبها حقيقي، أنا مثلا مش بحب الحاجات اللي ناحية القاهرة، لأني من مواليد محافظة الجيزة، فأنا بحب أحياء الجيزة: الدقي، المهندسين، العجوزة، الهرم، وحتى الامتدادات العمرانية اللي بحبها هي مدينة 6 أكتوبر، وزايد، وغالبا حدائق الأهرام. وأعتقد أن كل مواليد الجيزة زيي كدة - على عكس صحابنا بتوع القاهرة مثلا -. 

المفروض طبقا للكلام ده أن خطوة زي ديه كانت تبقى عادية جدا لأني رايح حي من اللي بحبهم، لكن حقيقي أنا حاسس بغربة كبيرة! لدرجة أنها أثارت جوايا أسئلة كتير هتكلم عنها بعد كام سطر.  ديه تاني مرة نعزل من بيت لبيت، أول مرة عزلنا كنا ساكنين في بيت جدي عبدالله أبوماما - الله يرحمه - وعزلنا لشقة أوسع بس كانت على بعد  100 متر من بيتنا القديم، كنت لسة في تالتة ابتدائي، وكانت نورهان أختى عمرها أسبوع، محستش بأى حنين للبيت القديم، فعليا هو على بعض 100 متر، كنت لسة طفل معنديش ذكريات قوية فيه، وحتى الذكريات الحلوة اللي هناك سهل جدا أرجعلها لأنه بيت جدي، ومش بعيد. الدنيا كانت ماشية بسهولة جدا، عكس الغربة اللي حاسسها دلوقتي.

على امتداد أربعة وعشرين سنة علاقاتي كلها وصداقاتي اتحددت في نطاق منطقة الجيزة، صاحب عمري باسم ساكن في بولاق، أصحاب ابتدائي محمود وحافظ ساكنين في بولاق، لما بدأت أنزل على قهاوي كانت في نطاق البحوث و قهوتي المفضلة التركي قدام موقف بولاق، أي حد بقابله كنت بديله معاد في المنطقة اللي هناك دقي، أو بحوث، أو جامعة الدول، البنت اللي كنت مرتبط بيها  وأكتر بنت حبيتها في حياتي  - لحد دلوقتي - كانت معظم مقابلاتنا في المنطقة هناك، باستثناء مقابلات الزمالك - المنطقة العزيزة على قلبى جدا هي ووسط البلد من محافظة القاهرة  ممكن اكتب عنهم قدام -  و مقابلة وحيدة في مصر الجديدة. لما كنت بجي مروح ونفسى اتمشى، كنت بتمشى من البحوث لسلم ناهيا والدنيا ليل و شارع السودان هادئ، فكنت ببقى مبسوط أوي، التمشية ديه اللي كلمت فيها أول بنت عجبتنى - واللي كنت فاكرها حب حقيقي وطلع مجرد اعجاب مراهقة بعدين لما عرفت معنى الحب الحقيقي - أرغي معاها في التليفون أيام لما كنت لسة شاب/مراهق خجول بيتكسف يكلم أي بنت في البيت. هاني ساكن في البحوث، وجودة وفوزي وشريف المقابلات معاهم دايما كانت في البحوث. المدرسة الابتدائي في بولاق، المدرسة الاعدادي، الثانوي، الكلية، أول شغل ليا كان في شارع الجامعة اللي هو نص ساعة من بولاق.

كل ما سبق محسسني بغربة حقيقية في البيت الجديد، بجانب طبعا أن شغلي الحالى في مصر الجديدة فمشوار بعيد أوي مخليني مفتقد بيتي القديم، 6 أكتوبر مدينة جميلة بس حاسسها مدينة منفصلة بذاتها كأني روحت عشت في اسكندرية، دلوقتي بدأت أحس شعور أصحابي اللي ساكنين هناك لما بيقولوا مش بنحب نخرج من أكتوبر، بدأت كمان أحس شعور خالى محمد لما بيماطل في حوار أنه ينقل أكتوبر مع أخواته، هو أكيد حاسس بغربة بردو لأنه عاش حياته كلها في بولاق، وأعتقد أن أخواته مش متفهمين ده لأن المزايا بتاعة النقل برة بولاق أكتر بكتير بالنسبة لهم، مثلا النقل لأكتوبر خطوة صح جدا، بولاق منطقة شعبية، بس مبقتش حلوة زي زمان، بقت زحمة أوي ومليانة عشوائية جدا، وحقيقي العيشة في مكان واسع وبرح حلو جدا، بس مكنتش متخيل أن النقلة هتكون صعبة كدة، أعتقد الانسان النقل بيبقى أسهل عليه لما يكون هيتجوز مثلا لأنه بيبدأ حياة جديدة تقريبا، أو حتى لما يبقى صغير شوية، لكن نفس حياتك القديمة بس تغير المكان أعتقد بتبقى صعبة شوية. أنا عملت تغيير كبير في حياتي قبل كدة وهو تغيير المدرسة من ابتدائي لاعدادي بس كنت صغير عملت صحاب جداد بسرعة، و التغيير من اعدادي لثانوي لجامعة كان نفس الناس تقريبا فمحستش بيه. المرة ديه حاسس بالتغيير وأنا ناضج تماما وبكامل وعى.

النقلة ديه خلتنى أبدا أفكر أني مش هحب الغربة أوي، ممكن رأيي يتغير معرفش، ابتديت أفكر أن أحلامي أني أعيش في مدينة زي دهب أو أسوان بعد فترة من عمري مش سهلة كما تبدو.  ابتديت أفكر أني هعمل جاهدا عشان أحقق حلمى أني أسكن في المهندسين، نفس المنطقة اللي فيها علاقاتي القديمة وحياتي بس الجزء النضيف فيها. أنا لسة بروح بولاق ولسة عايش بين البيتين بس الأيام اللي نمت فيها في أكتوبر حسيت فيها اللي فات ده، يمكن بعد فترة هتعود، لأن الانسان بيعتاد دايما الأوضاع الجديدة، يمكن هحب هنا أكتر وهنجح أظبط حياتى على الشكل الجديد ده وبدأت أعمل خطوات في ده كمان،  بس لغاية ما ده يحصل أنا حاسس بغربة وبشعور مش مريح أوي.