السبت، 28 يوليو 2018

غواية الحكايات



لحكايات الراحلين فتنتها التي تغوي الكثيرين وتدفعهم لمطاردة خيوط بقايا حكايات غابرة لكتاب، وشعراء، حتى حكايات أجدادنا الشخصية جدا يطاردها بعضنا في شغف بحثا عن رسائل مهملة، أَو صور باهتة تخبرنا كيف عاش أسلافنا. لا نقنع بالكتابات الجافة أو الصور الباهتة فنبحث عن الحكايات في عقول وأحاديث من شهد سيرة الراحلين. نطوف بالشوارع التي عاشوا بها والبيوت التي سكنوها فربما نجد قطعة أخرى تكمل القصص المبتورة.
أقرأ منشور لفتاة سعيدة لأن الدولة - علي غير المعتاد- تضع لافتة مكتوب عليها " هنا عاش الكاتب أحمد بهجت ". ابتسم فتكريم معنوي لجد الفتاة الكاتب العظيم يستحق السعادة، ثم أفكر في أنه ربما في هذا البيت اقتفت الفتاة آثار حياة جدها، وربما في المستقبل سيطارد أحدهم أشباح ما تبقى من حكاوي الأديب الراحل.
نطارد أشباح الراحلين لكننا ربما لا نرى سوى وجها واحدا للقصة، نسير في الشوارع التي ساروا فيها لكننا نغفل أن هناك طرق وطئوها في طفولتهم وأخري بكوا فيها في مراهقتهم لا ندري عنها شيئا.
ربما مستقبلا سأطارد حكايات جدي في شوارع بولاق الضيقة وسأبحث عن بقاياها في قريتنا الصغيرة في جنوب، لكنني - في الأغلب- سأغفل عن السنوات التي قضاها في النيل و الأخري التي كانت في صحراء ليبيا.
أحببت فيلم loving Vincent فالبطل طارد حكايات فان جوخ في عدة مدن، لم يكتف بالبيت الأخير الذي سُمع فيه دوي الرصاصة التي أنهت حياته. ربما هذا البيت يحمل الآن "هنا عاش فان جوخ" لكن في الحقيقة "هنا عاش فان جوخ" تشير لعدة بيوت أو هكذا أؤمن.


Photo credit:  Ahmed Hatem El-Kady  

الثلاثاء، 24 يوليو 2018

في التاسعة من عمري كانت جنودي البلاستيكية التي حصلت عليها في العيد الفائت تستعد لغزو العالم، تحت الضوء الأبيض للمصباح تلمع ثمانية عشر عصا بلاستيكية انتهيت للتو من تنضيفهم من آثار الآيس الكريم الذي كن يحملن استعدادا لبناء تسعة طائرات تمثلن قوتي الجوية الضاربة، ذلك قبل أن يكتشف سمير رفيق طفولتي المحل الذي يبيع طائرات صغيرة ستحل محل عصيان الآيس الكريم. عشرون كرة زجاجية من البلي حين تحين ساعة الصفر ستبدأن في الغوص للضفة الأخري من المياه الممثلة في الاربع بلاطات العاريات من السجاد. وفي الخلف يمكنك أن تلمح مكعبات أختي مرصوصة على هيئة حصن منيع لتلافي هجمات العدو المضادة.
في السادسة عشر من عمري كنت قد طورت خططي قليلا، لم يعد هناك حاجة للجنود البلاستيكية فعالم من الآحاد والأصفار سيحل محلها. قضيت عدة أمسيات عاكفا على صبغ خريطة العالم بلون دولتي الافتراضية، أحيانا تعرض الشاشة معارك بالسيوف وأحيانا أخري كانت تضئ الشاشة معلنة عن انفجار قنبلة نووية، بينما سلاحي الحقيقي كان عدة نقرات على قطعة بلاستيكية تشبه فأر تعقبها خبطات للوحة مفاتيح ذات ثلاث نقط مضيئة في ركنها العلوي الأيمن.
في الخامسة والعشرين استبدل سلاسل معدنية تحمل أعلام زاهية مختلفة بنقرات كنت ألون بها خارطة العالم بلون أحمر قاتم وسلاحي الجديد تذاكر ورقية تحمل حروف لاتينية تمثل أسماء الأعلام الزاهية.
في درج المكتب بزاوية غرفتي وبالقرب من البلاطات التي كانت تمثل بحر واسع للطفل الصغير تقبع سلاسلي المعدنية كتذكار سلام يذكرني دوما أن هذا العالم اكتفى من الأطفال الذين يريدون أن يغزوه.