الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

كنت رئيسا لمصر

وسط الانحياز الأعمى من مؤرخين فترة الحكم الناصرى لعبدالناصر أو الاخوان يحتل كتاب "كنت رئيسا لمصر " مكانة متميزة فرغم أن صاحبه تعرض للظلم البين الا أن الكتاب كان موضوعى فى أغلبه و يمكن الاعتماد عليه بصورة كبيرة –بجانب باقى الكتب - فى تكوين وجهة نظر صحيحة عن تلك الفترة، و نظرا للظروف التى نمر  بها الآن يكتسب الكتاب أهمية مضاعفة.
البداية كانت مع طفولة محمد نجيب و التى كانت أكثر أجزاء الكتاب مللا و مغرقة بتفاصيل غير مهمة للقارئ ، و كان يمكن تحنب هذا الملل باستخدام أسلوب قصصى لسرد هذا الجزء بدل من أسلوب المذكرات السردى
ثم سرد تفاصيل حياة محمد نجيب حتى أصبح ضابط و كل هذا يمكن للقارئ الملول أن يمر عليه سريعا حتى يصل لتفاصيل التخطيط لثورة يوليو .
من الملاحظات الجيدة فى الجزء السابق أن نجيب أصبح ضابط و هو عمره 17 عاما ، هذه الملحوظة تدل على مدى أهمية الاستفادة من حماس الشباب و اعطائهم الفرصة.
ثم يبدأ نجيب فى سرد وقائع سياسية مشهورة  بداية من الفصل الثالث و هو بعنوان حرب فلسطين و بداية من هنا لن يشعر القارئ بملل،  سنعرف –ككقراء - دور نجيب المهضوم فى الثورة  و كيق تم الانقلاب على الديمقراطية من بعض الضباط الأحرار يتزعمهم ناصر
ملحوظة:  لكننى لم أستطع فى هذا الجزء أن أعفى نجيب تماما مما حدث فهو كان يكتفى بمعارضة ناصر و رفاقه و يذعن فى النهاية لهم و لارائهم الخاطئة فى سذاجة و خنوع يثيروا الدهشة !!
نجيب جزء من حكم العسكر بسذاجته تلك ، و لكنى أقدر له أنه اعترف أنه مسئول عما حدث لمصر على أيدى الضباط الأحرار و اعترف أنه كان  ساذج فى تعامله معهم.
  ثم يعرض نجيب موقف بعض القوى من الثورة مثل الاخوان المسلمين وموقف الاخوان المسلمين سيثير استغراب القارئ لأنه مطابق لموقفهم الحالى من الثورة كأنهم لم يتعلموا شيئا من التاريخ ، و بالطبع لا أحد يستطيع أن يصف نجيب بأنه متحامل على الاخوان لأن من ظلمه ناصر و ليس هم

و تلك الفقرات من كتاب نجيب عن دور الاخوان فى هدم الديمقراطية بالتعاون مع ناصر

، و يكشف نجيب أيضا  الكثير من الأسرار و الصفقات التى كانت تتم فى هذا الحين و من أشهرها
لقاء الاخوان مع ممثل نجيب محمد رياض و الصفقة التى كان يريدونها و قول نجيب " كأنهم يريدون السيطرة على الحكم دون تحمل المسئولية " ( تشابه اخر بين التاريخ و واقعنا الحالى )

و من الشخصيات التى لفتت نظرى أيضا فى هذا الجزء
سليمان حافظ هذا الشخص دليل حى على مقولة عندما تصبح ملكيا أكثر من الملكيين أو عسكريا أكثر من العسكريين فى حالتنا تلك ، أمثال هذا الشخص هم سبب شعور العسكر بالقوة و التأييد الزائف.
زمن أسباب ما فعل سليمان حافظ هو أنه نظر لتعرض جماعته للظلم فحاول أن ينكل بالاخرين عند امساكه بزمام السلطة و ذلم باستخدام خبرته القانونية الواسعة و بدأ بالمنافس المباشر لحزبه الوطنى و هو حزب الوفد


، ثم يتنقل نجيب للحديث عن السياسة الخارجية و كيف انفصل السودان و العلاقة المتشابكة مع الانجليز ، و فى هذا الجزء أعجبنى فكر نجيب عن الوحدة العربية و كيف تتحق ، فهو تحدث عن حل المشاكل الداخلية لكل دولة أولا مع خطوات صغيرة مثل الغاء التأشيرات ثم التدرج فى الوحدة الاقتصادية ، و هكذا حتى تتحقق الوحدة الكاملة و لو بعد عشرات السنين، و بالنسبة للقوة العسكرية فقد تحدث عن وجود جيش لكل دولة و جيش موحد اخر للعرب جميعا
ما يطرحه نجيب سليم للغاية و يضمن احتفاظ كل دولة بهويتها مع احتفاظ العرب ككل بهويتهم الجامعة.
ستتباين أراء القراء فى ذلك الجزء لكن ما أثق به أنه لا أحد فيهم سيكذب نجيب
أخيرا يختتم نجيب الكتاب بعرض ما تعرض له من ظلم و هو فصل لا تمللك فيه سوى أن تتعاطف مع نجيب الانسان ، حتى لو رأيت أنه سياسى ساذج و فاشل فى تعامله مع الأحداث ، الاهانة التى تلقاها نجيب لا تحتمل و تأثرت بما حدث له جدا
أما عيوب الكتاب تتركز فى بعض التهم المرسلة بدون دليل سوى رواية نجيب نفسه مثل :
اتهام ناصر فى ذمته المالي ، و هو اتهام ربما يكون فيه تحامل لأن عبدالناصر رغم كل مساؤه لم يتهم أبدا فى ذمته المالية، و هذا الاتهام مفهوم أسبابه لأن هيكل البوق الاعلامى لناصر اتهم نجيب فى ذمته المالية، فربما هذا دفاع عن نفسه ضد تلك الاتهامات الحقيرة
و مثل تعاون ناصر مع أمريكا لتسهل له الانقلاب الذى قام به ناصر ضد الديمقراطية (هناك كتب تتحدث عن هذا الموضوع مثل كتاب ثورة يوليو صناعة أمريكية لمحمد جلال كشك لكنى لم أقرأه بعد لكى أستطيع أن أحكم )
و لكن مثل تلك الاتهامات المرسلة قلت فى الكتاب و لهذا يمكن احترام الكتاب و الأخذ به و لا بأس من تفنيد تلك التهم و البحث عن حقيقتها.

الاسئلة التى وجدتها فى الكتاب و لم أجد اجابة لها و تحتاج بحث حقيقى
·         ما مدى حقيقة مشاريع الستينات و هل هى فعلا مجرد مشاريع دعائية ؟ و نجيب ضرب مثال بالسد العالى و الذى يرى عيوبه أكثر من فوائده لأن المشاريع المكملة له لم تتم.
·         أحد الأفكار التى طرحها نجيب وسط الكتاب هو أن العرب كان عليهم فى مرحلة ما قبول قرار التقسيم بخصوص فلسطين بدل من الجعجعة و حرب الشعارات التى أدت لفقدانهم المزيد من الأراضى ؟ و أن هذا القرار كان أفضل ما يمكن الحصول عليه حتى تقوى شوكة العرب.
·         هل تعاون ناصر مع الأمريكان و تساهل مع الانجليز فى اتفاقية الجلاء ؟
·         حديث نجيب عن فكرة عدم الانحياز و أن نهرو هو صاحب الفكرة و ليس عبدالناصر و ان لم يصرح بهذا صراحة



أخيرا كتاب مهم و يضع الكثير من الأمور فى نصابها
و اختتم حديثى عنه بالفقرتين  التاليتين

"لقد خلصتهم من فاروق..و خلصهم سليمان حافظ من كبار السياسيين و الأحزاب .. و خلصهم يوسف صديق من نفسه.... و خلصهم ضباط المدفعية من عبدالمنعم أمين.. و خلصهم ضباط الفرسان من خالد محيى الدين .. و بقى هو(يقصد ناصر ) و عبدالحكيم عامر و أنور السادات و حسين الشافعى ..أما هو و عامر فقد تخلص منهم اليهود فى حرب 67..و تخلص حسين الشافعى من متاعبهم و بقى فى بيته.. و لم يبقى من ضباط الثورة سوى السادات الذى كان يعرف بدهاء الفلاح المصرى ،كيف يتجنب الأهواء و العواصف .." 

فقرة مهمة جدا لتوضيح كيف تأكل الثورات رجالها و الفقرة ديه بتتكرر بصيغات مختلفة فى كل الثورات ، و فى كل روايات الأدب العالمى اللى بتتكلم عن الثورات و أشهر رواية من النوع ده مزرعة الحيوانات
و أكد نجيب على صحة هذه الفقرة فى كتابه مرة أخرى عند قوله أن يوسف صديق و حسين الشافعى و خالد محيى الدين و عبدالمنعم أمين كلهم تم ابعادهم رغم انهم اصحاب التحركات الفعلية و اظن ان هذا يطابق ما تعلمناه من التاريخ لان
 " اللى عاوز ينفرد بالحكم لازم يبعد شركائه فى الثورة و يخونهم ، "
أم الفقرة الأخرى عن الشعوب و طبيعة تعاملها مع الحكام



شعارات الثورة المصرية 1


وسط كل زخم الثورة و وسط حالة السيولة المجتمعية التى تحيط بنا من كل جانب تتجلى عبقرية من نوع خاص، هذه العبقرية -التى لا يلحظها الكثيرون-   تتمثل فى هتافات و شعارات الثورة التى  تعبر عن كل ما نعانيه فى جمل بسيطة ، كما أنه على ضوء تلك الشعارات يمكننا تحديد ليس فقط مطالب الثورة بل  أيضا تحديد مدى ملائمة  القوى السياسية الموجودة الان لقيادة الثورة.


أبرز الشعارات و أهمها هو أول هتاف تم الصياح به فى شوارع مصر يوم الخامس و العشرين من يناير  "عيش حرية عدالة اجتماعية"


هذا الهتاف الرئيس الذى هز شوارع مصر حين اندلعت الاحتجاجات الاجتماعية -التى ستتحول فيما بعد لثورة - يمثل ثورة يناير بكل مطالبها و هو الأساس لكل المطالب المفصلة التى برزت فيما بعد و التى عبرت عنها هتافات أخرى سنتعرض لبعضها لاحقا


فالثورة  لن تكتمل أبدا الا بتحقق أضلاع مثلث هذا الشعارفعيش بدون حرية هو انتفاضة جياع و ابدا لم تكن ثورتنا هكذا ، و حرية بدون عيش هى ضرب من العبث ، و بالطبع العدالة الاجتماعية هو اللؤلوة التى تتوسط  عقد الثورة و تبرهن على نجاحها 


و على ضوء تلك الأضلاع الثلاثة لهذا الهتاف يمكننا تحديد ملائمة أى قوة سياسية لقيادة الثورة ،و منعا للجدال سأتحدث هنا عن الضلع الأوضح الان و الذى من المفترض ألا يختلف عليه عاقل و هو ضلع العدالة الاجتماعية.


هناك خمس قوى فعالة فى المشهد المصرى الان " الدولة العسكرية ، الفلول ، الاخوان المسلمين و شركائهم من التيارات الاسلامية الاخرى و سأكتفى بالتحدث عن الاخوان فقط  ، العلمانين و الحركات المدنية الممثلية فى جبهة الانقاذ ، حركات ثورية قليلة العدد لكن لا يمكن اهمال تأثيرها و تلك الحركات متجاوزة للايديولجيات كلها لحين تحقق مطالب الثورة" 


و بتطبيق معيار العدالة الاجتماعية على تلك القوى نجد الاتى :


الدولة العسكرية : رغم أن أحد الأساسات القوية للدولة العسكرية فى مصر و الذى أعطى لها  مشروعية كان العدالة الاجتماعية و يظهر هذا بوضوح فى قوانين ثورة يوليو التى سنتها ( قانون الاصلاح الزراعى و غيرهو يمكن مراجعة مذكرات محمد نجيب و غيره من الكتب فى تلك النقطة ) إلا أنه مع معاهدة السلام مع اسرائيل حدث تحول جذرى فى هذا الأمر ، فظهر مصطلح جنرالات المكرونة و تحولت سياسة المؤسسة العسكرية ممثلة فى السادات و من بعده مبارك الى الرأسمالية أو بالأصح الى ابشع صور الرأسمالية التى لا تمثل العدالة الاجتماعية أى أهمية لها  


 الفلول: قبل أن أتحدث عن تلك النقطة ، يجب وضع تعريف بسيط للفلول هذا المصطلح الذى انتهك فى حياتنا اليومية و أصبح مبتذل ، الفلول هو كل من أفسد فى أرض هذا الوطن و كان جزء من منظومة مبارك الممنهجة للسرقة و الفساد و كل من لم يفسد لا يمكن وصفه بالفلول حتى لو طالب بشفيق رئيسا للجمهورية ( يمكن وصفه بأوصاف أخرى ليس هذا مجالها )


السياسات الاقتصادية لكبار رجال أعمال الطبقة الفلولية هى أحد أسباب ثورة يناير ، و يكفينا هنا فقط ذكر دور أحمد عز و الاصلاحات الاقتصادية المزعومة التى قام بدور المهندس لها للتأكد من تلك المعلومة ، و لمعرفة أن الفلول هم أعتى أعداء العدالة الاجتماعية




الاخوان المسلمين :سأتوقف عن الكلام  قليلا و أقتبس فقرة كاملة من كتاب الباحث حسام تمام رحمه الله ( الاخوان المسلمين سنوات ما قبل الثورة ) للحديث عن هذا الأمر ثم سأعقب عليها 


"رغم وجود الاخوان و انتشارهم فى شتى أنحاء البلاد فإنه يقل وجودهم التنظيمى فى الطبقات الفقيرة ، و قد أدت هذه الاستراتجية إلى انفصال تدريجى للجماعة عن الطبقات الفقيرة و المهمشة، الأخذة فى الاتساعو المعاناة، على مستوى الانتشار التنظيمى،ثم على مستوى المشروع الذى تطرحه و الذى صار أقرب الى تعبير عن طموحات الطبقة الوسطى و البورجوازية المصرية المتدينة ، و هو انفصال ظهر جليا فى غيابهذه الطبقات كأشخاص أو كبرامج، أو حتى كشعارات فى تظاهرات الاخوان و شعاراتهم التى نادرا ما كانت القضايا الاجتماعية محركها أو مركزها"


من الفقرة السابقة و بالنظر لموقف الاخوان من النظام الاقتصادى العالمى و قرض البنك الدولى يمكننا ملاحظة أن العدالة الاجتماعية لا تشغل حيز يذكر فى مشاريع الاخوان ، و للمزيد من التفاصيل عن هذا الأمر يمكن مراجعة فصل "الاخوان و الاحتجاجات الاجتماعية " فى الكتاب المقتبس منه تلك الفقرة ، كما يمكن البحث على الانترنت عن السياسات الاقتصادية الاخوانية و ستجد مئات المقالات التى تتحدث عنها. جبهة الانقاذ :تصريحات د/البرادعى عن القرض الدولى و تأييده للسياسات الاقتصادية العالمية ، و التحالف الغريب  بين الليبرالين فى جبهة الانقاذ و بعض الاشتراكيين مثل حمدين صباحى رغم الاختلاف الاقتصادى العنيف بينهم توضح بشدة أن العدالة الاجتماعية لا تمثل أهمية لهم فى الوقت الراهن بل أن بعضهم يؤيد اجراءات اقتصادية ضدها ، حتى و إن أظهروا عكس هذا فى تصريحاتهم المتدوالة للاستهلاك الاعلامى!


القوى الثورية : هذه القوى أقرب الكيانات فى المشهد المصرى اخلاصا للعدالة الاجتماعية و مطالبات بالحد الأدنى و الأعلى للأجور و شعارات العدالة الاجتماعية الظاهرة فى كل مظاهراتهم و ليس فقط فى أحاديث صحفية تدل على هذالكن  أعيب عليهم أنهم لم يستطيعوا الوصول بهذا الشعار لقلب المجتمع المصرى ، بل يفضلون عليه شعارات أخرى عن الحرية رغم أن الأولوية لكسب تعاطف المجتمع المصرى هى العدالة الاجتماعية وذلك لما يعانيهالمجتمع من غياب واضح لها



مما سبق يمكن فهم أحد أهم أسباب سقوط الفلول و نظام مبارك كما يمكن فهم الضربات شديدة العنف التى تلقتها المؤسسة العسكرية و التى أثرت فيها حتى لو أنه ظاهريا تبدو أنها امتصتهاكما يمكن فهم جزء من مشهد الاحتجاجات على الاخوان و أحد أسباب مشاركة القوى الثورية فى تلك الاحتجاجات و أخيرا يمكن توقع مصير جبهة الانقاذ المشاركة فى الوزارة الحالية فى ضوء الكلام السابق . 



و مع تطور الثورة و ارهاصاتها ، برز شعارين اخرين بهم يكتمل مثلت الثورة المقدس و هما "يسقط يسقط حكم العسكر "الذى يمثل الضلع التانى من ثورة المصريين ، و الضلع الثالث -فى رأيى و الذى قد يختلف معه البعض-يتمثل فى "يسقط كل رئيس طوول ما الدم المصرى رخيص"و لكن لهذا حديث أخر يطول.