الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

شعارات الثورة المصرية 1


وسط كل زخم الثورة و وسط حالة السيولة المجتمعية التى تحيط بنا من كل جانب تتجلى عبقرية من نوع خاص، هذه العبقرية -التى لا يلحظها الكثيرون-   تتمثل فى هتافات و شعارات الثورة التى  تعبر عن كل ما نعانيه فى جمل بسيطة ، كما أنه على ضوء تلك الشعارات يمكننا تحديد ليس فقط مطالب الثورة بل  أيضا تحديد مدى ملائمة  القوى السياسية الموجودة الان لقيادة الثورة.


أبرز الشعارات و أهمها هو أول هتاف تم الصياح به فى شوارع مصر يوم الخامس و العشرين من يناير  "عيش حرية عدالة اجتماعية"


هذا الهتاف الرئيس الذى هز شوارع مصر حين اندلعت الاحتجاجات الاجتماعية -التى ستتحول فيما بعد لثورة - يمثل ثورة يناير بكل مطالبها و هو الأساس لكل المطالب المفصلة التى برزت فيما بعد و التى عبرت عنها هتافات أخرى سنتعرض لبعضها لاحقا


فالثورة  لن تكتمل أبدا الا بتحقق أضلاع مثلث هذا الشعارفعيش بدون حرية هو انتفاضة جياع و ابدا لم تكن ثورتنا هكذا ، و حرية بدون عيش هى ضرب من العبث ، و بالطبع العدالة الاجتماعية هو اللؤلوة التى تتوسط  عقد الثورة و تبرهن على نجاحها 


و على ضوء تلك الأضلاع الثلاثة لهذا الهتاف يمكننا تحديد ملائمة أى قوة سياسية لقيادة الثورة ،و منعا للجدال سأتحدث هنا عن الضلع الأوضح الان و الذى من المفترض ألا يختلف عليه عاقل و هو ضلع العدالة الاجتماعية.


هناك خمس قوى فعالة فى المشهد المصرى الان " الدولة العسكرية ، الفلول ، الاخوان المسلمين و شركائهم من التيارات الاسلامية الاخرى و سأكتفى بالتحدث عن الاخوان فقط  ، العلمانين و الحركات المدنية الممثلية فى جبهة الانقاذ ، حركات ثورية قليلة العدد لكن لا يمكن اهمال تأثيرها و تلك الحركات متجاوزة للايديولجيات كلها لحين تحقق مطالب الثورة" 


و بتطبيق معيار العدالة الاجتماعية على تلك القوى نجد الاتى :


الدولة العسكرية : رغم أن أحد الأساسات القوية للدولة العسكرية فى مصر و الذى أعطى لها  مشروعية كان العدالة الاجتماعية و يظهر هذا بوضوح فى قوانين ثورة يوليو التى سنتها ( قانون الاصلاح الزراعى و غيرهو يمكن مراجعة مذكرات محمد نجيب و غيره من الكتب فى تلك النقطة ) إلا أنه مع معاهدة السلام مع اسرائيل حدث تحول جذرى فى هذا الأمر ، فظهر مصطلح جنرالات المكرونة و تحولت سياسة المؤسسة العسكرية ممثلة فى السادات و من بعده مبارك الى الرأسمالية أو بالأصح الى ابشع صور الرأسمالية التى لا تمثل العدالة الاجتماعية أى أهمية لها  


 الفلول: قبل أن أتحدث عن تلك النقطة ، يجب وضع تعريف بسيط للفلول هذا المصطلح الذى انتهك فى حياتنا اليومية و أصبح مبتذل ، الفلول هو كل من أفسد فى أرض هذا الوطن و كان جزء من منظومة مبارك الممنهجة للسرقة و الفساد و كل من لم يفسد لا يمكن وصفه بالفلول حتى لو طالب بشفيق رئيسا للجمهورية ( يمكن وصفه بأوصاف أخرى ليس هذا مجالها )


السياسات الاقتصادية لكبار رجال أعمال الطبقة الفلولية هى أحد أسباب ثورة يناير ، و يكفينا هنا فقط ذكر دور أحمد عز و الاصلاحات الاقتصادية المزعومة التى قام بدور المهندس لها للتأكد من تلك المعلومة ، و لمعرفة أن الفلول هم أعتى أعداء العدالة الاجتماعية




الاخوان المسلمين :سأتوقف عن الكلام  قليلا و أقتبس فقرة كاملة من كتاب الباحث حسام تمام رحمه الله ( الاخوان المسلمين سنوات ما قبل الثورة ) للحديث عن هذا الأمر ثم سأعقب عليها 


"رغم وجود الاخوان و انتشارهم فى شتى أنحاء البلاد فإنه يقل وجودهم التنظيمى فى الطبقات الفقيرة ، و قد أدت هذه الاستراتجية إلى انفصال تدريجى للجماعة عن الطبقات الفقيرة و المهمشة، الأخذة فى الاتساعو المعاناة، على مستوى الانتشار التنظيمى،ثم على مستوى المشروع الذى تطرحه و الذى صار أقرب الى تعبير عن طموحات الطبقة الوسطى و البورجوازية المصرية المتدينة ، و هو انفصال ظهر جليا فى غيابهذه الطبقات كأشخاص أو كبرامج، أو حتى كشعارات فى تظاهرات الاخوان و شعاراتهم التى نادرا ما كانت القضايا الاجتماعية محركها أو مركزها"


من الفقرة السابقة و بالنظر لموقف الاخوان من النظام الاقتصادى العالمى و قرض البنك الدولى يمكننا ملاحظة أن العدالة الاجتماعية لا تشغل حيز يذكر فى مشاريع الاخوان ، و للمزيد من التفاصيل عن هذا الأمر يمكن مراجعة فصل "الاخوان و الاحتجاجات الاجتماعية " فى الكتاب المقتبس منه تلك الفقرة ، كما يمكن البحث على الانترنت عن السياسات الاقتصادية الاخوانية و ستجد مئات المقالات التى تتحدث عنها. جبهة الانقاذ :تصريحات د/البرادعى عن القرض الدولى و تأييده للسياسات الاقتصادية العالمية ، و التحالف الغريب  بين الليبرالين فى جبهة الانقاذ و بعض الاشتراكيين مثل حمدين صباحى رغم الاختلاف الاقتصادى العنيف بينهم توضح بشدة أن العدالة الاجتماعية لا تمثل أهمية لهم فى الوقت الراهن بل أن بعضهم يؤيد اجراءات اقتصادية ضدها ، حتى و إن أظهروا عكس هذا فى تصريحاتهم المتدوالة للاستهلاك الاعلامى!


القوى الثورية : هذه القوى أقرب الكيانات فى المشهد المصرى اخلاصا للعدالة الاجتماعية و مطالبات بالحد الأدنى و الأعلى للأجور و شعارات العدالة الاجتماعية الظاهرة فى كل مظاهراتهم و ليس فقط فى أحاديث صحفية تدل على هذالكن  أعيب عليهم أنهم لم يستطيعوا الوصول بهذا الشعار لقلب المجتمع المصرى ، بل يفضلون عليه شعارات أخرى عن الحرية رغم أن الأولوية لكسب تعاطف المجتمع المصرى هى العدالة الاجتماعية وذلك لما يعانيهالمجتمع من غياب واضح لها



مما سبق يمكن فهم أحد أهم أسباب سقوط الفلول و نظام مبارك كما يمكن فهم الضربات شديدة العنف التى تلقتها المؤسسة العسكرية و التى أثرت فيها حتى لو أنه ظاهريا تبدو أنها امتصتهاكما يمكن فهم جزء من مشهد الاحتجاجات على الاخوان و أحد أسباب مشاركة القوى الثورية فى تلك الاحتجاجات و أخيرا يمكن توقع مصير جبهة الانقاذ المشاركة فى الوزارة الحالية فى ضوء الكلام السابق . 



و مع تطور الثورة و ارهاصاتها ، برز شعارين اخرين بهم يكتمل مثلت الثورة المقدس و هما "يسقط يسقط حكم العسكر "الذى يمثل الضلع التانى من ثورة المصريين ، و الضلع الثالث -فى رأيى و الذى قد يختلف معه البعض-يتمثل فى "يسقط كل رئيس طوول ما الدم المصرى رخيص"و لكن لهذا حديث أخر يطول.