مرت ثلاث سنوات منذ قيام ثورة يناير و الآن
يفصلنا أيام قليلة على تنصيب ابن الجمالية - الحى الإسلامى العتيق -
عبدالفتاح السيسى رئيسا لمصر ليتولى مقاليد الأمور فى محاولة جديدة لانهاء المرحلة الانتقالية الطويلة منذ قيام
ثورة يناير و تدشين سلطة تستطيع حكم مصر و تبدو تلك المحاولة هى الأقرب للنجاح بعد فشل جماعة الاخوان العام المنصرم فى محاولة بناء تلك السلطة.
بعيدا عن الصور التقليدية لعبدالفتاح السيسى - فهو
(الدكر) الذى أنقذ مصر من براثن الحرب الأهلية عند مؤيديه، ومبارك آخر، قائد
للثورة المضادة عند الثوار أو ما يطلق عليه التيار الثالت، أو حتى عدو الاسلام
محارب الدين عند الاسلاميين و فى القلب منهم جماعة الاخوان المسلمين - ربما حان الوقت لكى
نحاول أن نفهم الشخصية الأقوى فى مصر
حاليا.
بعد مرور ما يقرب من العام منذ بزوغ نجم السيسى ،
وبالاستماع لأحاديث الرجل الإعلامية ، أوأحاديثه الخاصة المسربة يمكننا أن نقول أن
الصور النمطية له أبعد ما تكون عن الواقع ، فنحن أمام شخصية غير تقليدية ، هو ليس مجرد لص مثل مبارك،أو قائد جيش
بدون طموح مثل طنطاوى أو حتى قائد عسكرى لا يرى فى منصب الرئاسة سوى منصب يليق به فى ختام حياته العملية ،هو رجل مؤمن جدا بأنه مؤمن انه مبعوث العناية
الالهية لانقاذ مصر ،مؤمن جدا بالخرافات و عنده يقين تام بالقدر فأى شئ يحدث يحدث
لأن هذا قدر الله و لا دخل لنا فيه ، فترشحه للرئاسة و فوزه فيها لأن الله يريد هذا " فالكرسى
مكتوب عليه اسم صاحبه" على حد قوله، متصالح جدا مع نفسه فهو بالفعل مؤمن أنه
غير طامع فى سلطة و أنه يلبى نداء الشعب بترشحه للرئاسة و يحقق قدر الله الذى لا
راد له
متدين و ليس علمانى محارب للدين مثلما يزعم
الإسلاميين ، و بالطبع هو ليس أتاتورك
مثلما يظن أنصاره الليبراليين، و لكنه هذا التدين
الشعبى الذى من المؤكد أنه اكتسبه نتيجة تربيته بحى الجمالية ، تدين رجل الشارع
العادى الذى يكتفى بأن يعطى للدول مظهر اسلامى كوضع المادة الثانية فى الدستور
مثلا ، و لكنه لا يريد أن يتجاوز هذا المظهر إلى مشروع حقيقى مثلما يطالب أنصار
التيارات الإسلامية ، و فى نفس الوقت تدين لا يقبل بالاختلاف
لهذا فكره الشيعة شئ مقبول ،و بالطبع لا مجال للحديث عن دستور علمانى يكفل حقوق الملحدين أو أى حد
لا يدين بأحد الديانات السماوية الثلاثة، القبض على العديد من الملحدين مؤخرا و
كلام السيسى عن دور الدولة فى حماية القيم يؤكد هذا بوضوح ،هو إذا تدين أقرب لتدين الرئيس المؤمن السادات.
كلامه عن أن " مصر تبقى قد الدنيا و هتبقى
قد الدنيا " مؤمن به و مترسخ فى ذهنه ،
مناسب جدا لقطاع كبير من الشعب فالسيسى هو خلاصة
الشخصية المصرية التى تعتقد فى خرافات من
نوعية "أن المصرى أحسن واحد فى العالم و الطفل المصرى هو الاذكى و العالم كله
يتآمر علينا من أجل منعنا من تحقيق النهضة "
فى الأغلب يتشارك مع الكثير
من الاسلاميين فى المعتقدات و تعيينه وزيرا للدفاع من قبلهم يؤكد هذا فهم رأوا فيه
رجلهم لكن الظروف التاريخية بالإضافة إلى عقيدة الجيش المصرى المعادية للإسلاميين هما
فقط ما وضعاه فى مواجهتهم .
رغم أن السيسى فى نظر الكثيرين رجل متواضع القدرات لا يصلح للعب هذا الدور
الخطير فى التاريخ المصرى الحديث ، و أنه لولا الأقدار التى ساقته لأن يكون الوجه الأبرز فى العملية
السياسية فى مصر ربما كان انتهى به
الأمر لواء على المعاش لا يذكره أحد، أو فى أفضل الأحوال محافظ لأحد المحافظات
تقديرا من الدولة له كعادتها مع العسكريين السابقين، إلا أنه بالفعل جدير بأن يكون طرف اساسى فى الصراع الحالى فهو يعبر عن
قطاع لا يستهان به من الشعب و ربما تواضع
قدراته هو ما أهله لهذا الدور.