الجمعة، 22 سبتمبر 2017

بيت جديد



"وطن المرء ليس مكان ولادته و لكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب" 
عمر طاهر وأحيانا تنسب لنجيب محفوظ

انهاردة أول يوم من فترة كبيرة - ممكن سنة أو حتى 3 سنين مش فاكر بالظبط ! -  ابقى فاضي كدة، مش حاسس اني ورايا حاجة اعملها ولا حاسس أني فاضي فأنام أريح بقى، حتى مشاريع الكتابة اللي ورايا مش حاسس باحساس أني لازم أبدا في حاجة فيها وأخلصها، أنا طبعا الحاجات اللي ورايا مخلصتش وعندي مية مشروع ومية فكرة، بس هو شعور داخلى بأن عندي فراغ لدرجة تقترب من الملل، كأني طالب ابتدائي  في اجازة صيفية بعد أول أسبوع ما خلص كل اللي كان نفسه فيه وحس بفراغ. كلمت باسم ورغينا شوية، قلبت في مدونات بتابعها ملقتش حاجة جديدة، فقررت أرغى شوية هنا.

الوضع كالتالى: قاعد في بلكونة شقة في الدور الثاني في  الحى الرابع في مدينة 6 أكتوبر، المفروض ده بيتنا الجديد، حاسس أني ضيف لسة! بعد أربعة وعشرين سنة وبضعة شهور عشتها في بولاق الدكرور، خدوا الخطوة عندي في البيت وقرروا ينقلوا بيت جديد في ستة أكتوبر، علطول في البيت عندي كانوا بيتكلموا عن الخطوة ديه والكلام زاد بعد ما أخوالى نقلوا من بولاق، كنت دايما مرحب بالخطوة ديه، مدينة أكتوبر جميلة وبحبها حقيقي، أنا مثلا مش بحب الحاجات اللي ناحية القاهرة، لأني من مواليد محافظة الجيزة، فأنا بحب أحياء الجيزة: الدقي، المهندسين، العجوزة، الهرم، وحتى الامتدادات العمرانية اللي بحبها هي مدينة 6 أكتوبر، وزايد، وغالبا حدائق الأهرام. وأعتقد أن كل مواليد الجيزة زيي كدة - على عكس صحابنا بتوع القاهرة مثلا -. 

المفروض طبقا للكلام ده أن خطوة زي ديه كانت تبقى عادية جدا لأني رايح حي من اللي بحبهم، لكن حقيقي أنا حاسس بغربة كبيرة! لدرجة أنها أثارت جوايا أسئلة كتير هتكلم عنها بعد كام سطر.  ديه تاني مرة نعزل من بيت لبيت، أول مرة عزلنا كنا ساكنين في بيت جدي عبدالله أبوماما - الله يرحمه - وعزلنا لشقة أوسع بس كانت على بعد  100 متر من بيتنا القديم، كنت لسة في تالتة ابتدائي، وكانت نورهان أختى عمرها أسبوع، محستش بأى حنين للبيت القديم، فعليا هو على بعض 100 متر، كنت لسة طفل معنديش ذكريات قوية فيه، وحتى الذكريات الحلوة اللي هناك سهل جدا أرجعلها لأنه بيت جدي، ومش بعيد. الدنيا كانت ماشية بسهولة جدا، عكس الغربة اللي حاسسها دلوقتي.

على امتداد أربعة وعشرين سنة علاقاتي كلها وصداقاتي اتحددت في نطاق منطقة الجيزة، صاحب عمري باسم ساكن في بولاق، أصحاب ابتدائي محمود وحافظ ساكنين في بولاق، لما بدأت أنزل على قهاوي كانت في نطاق البحوث و قهوتي المفضلة التركي قدام موقف بولاق، أي حد بقابله كنت بديله معاد في المنطقة اللي هناك دقي، أو بحوث، أو جامعة الدول، البنت اللي كنت مرتبط بيها  وأكتر بنت حبيتها في حياتي  - لحد دلوقتي - كانت معظم مقابلاتنا في المنطقة هناك، باستثناء مقابلات الزمالك - المنطقة العزيزة على قلبى جدا هي ووسط البلد من محافظة القاهرة  ممكن اكتب عنهم قدام -  و مقابلة وحيدة في مصر الجديدة. لما كنت بجي مروح ونفسى اتمشى، كنت بتمشى من البحوث لسلم ناهيا والدنيا ليل و شارع السودان هادئ، فكنت ببقى مبسوط أوي، التمشية ديه اللي كلمت فيها أول بنت عجبتنى - واللي كنت فاكرها حب حقيقي وطلع مجرد اعجاب مراهقة بعدين لما عرفت معنى الحب الحقيقي - أرغي معاها في التليفون أيام لما كنت لسة شاب/مراهق خجول بيتكسف يكلم أي بنت في البيت. هاني ساكن في البحوث، وجودة وفوزي وشريف المقابلات معاهم دايما كانت في البحوث. المدرسة الابتدائي في بولاق، المدرسة الاعدادي، الثانوي، الكلية، أول شغل ليا كان في شارع الجامعة اللي هو نص ساعة من بولاق.

كل ما سبق محسسني بغربة حقيقية في البيت الجديد، بجانب طبعا أن شغلي الحالى في مصر الجديدة فمشوار بعيد أوي مخليني مفتقد بيتي القديم، 6 أكتوبر مدينة جميلة بس حاسسها مدينة منفصلة بذاتها كأني روحت عشت في اسكندرية، دلوقتي بدأت أحس شعور أصحابي اللي ساكنين هناك لما بيقولوا مش بنحب نخرج من أكتوبر، بدأت كمان أحس شعور خالى محمد لما بيماطل في حوار أنه ينقل أكتوبر مع أخواته، هو أكيد حاسس بغربة بردو لأنه عاش حياته كلها في بولاق، وأعتقد أن أخواته مش متفهمين ده لأن المزايا بتاعة النقل برة بولاق أكتر بكتير بالنسبة لهم، مثلا النقل لأكتوبر خطوة صح جدا، بولاق منطقة شعبية، بس مبقتش حلوة زي زمان، بقت زحمة أوي ومليانة عشوائية جدا، وحقيقي العيشة في مكان واسع وبرح حلو جدا، بس مكنتش متخيل أن النقلة هتكون صعبة كدة، أعتقد الانسان النقل بيبقى أسهل عليه لما يكون هيتجوز مثلا لأنه بيبدأ حياة جديدة تقريبا، أو حتى لما يبقى صغير شوية، لكن نفس حياتك القديمة بس تغير المكان أعتقد بتبقى صعبة شوية. أنا عملت تغيير كبير في حياتي قبل كدة وهو تغيير المدرسة من ابتدائي لاعدادي بس كنت صغير عملت صحاب جداد بسرعة، و التغيير من اعدادي لثانوي لجامعة كان نفس الناس تقريبا فمحستش بيه. المرة ديه حاسس بالتغيير وأنا ناضج تماما وبكامل وعى.

النقلة ديه خلتنى أبدا أفكر أني مش هحب الغربة أوي، ممكن رأيي يتغير معرفش، ابتديت أفكر أن أحلامي أني أعيش في مدينة زي دهب أو أسوان بعد فترة من عمري مش سهلة كما تبدو.  ابتديت أفكر أني هعمل جاهدا عشان أحقق حلمى أني أسكن في المهندسين، نفس المنطقة اللي فيها علاقاتي القديمة وحياتي بس الجزء النضيف فيها. أنا لسة بروح بولاق ولسة عايش بين البيتين بس الأيام اللي نمت فيها في أكتوبر حسيت فيها اللي فات ده، يمكن بعد فترة هتعود، لأن الانسان بيعتاد دايما الأوضاع الجديدة، يمكن هحب هنا أكتر وهنجح أظبط حياتى على الشكل الجديد ده وبدأت أعمل خطوات في ده كمان،  بس لغاية ما ده يحصل أنا حاسس بغربة وبشعور مش مريح أوي.



      

الأحد، 17 سبتمبر 2017

مجاذيب، وعباقرة، وفتيات جميلة وعودة ثانية للكتابة

اعلم عفاك الله أن القصة تبدأ على الدوام هكذا فتي طموح رزين، فتاة شاعرية عادية الجمال لكنها عندما تتحدث عينيها تلمع بتلك اللمعة التي تشعل مكامن روحه، تفتنه ثم تجري الأمور فلا حول ولا قوة إلا بالله!
واعلم يا هذا أنه منذ بدأ الخليقة تتكرر الحكاية، عبقري أحرقه الحب فانطلق يشكو لهيبه موسيقي، سطور لا تنتهي، أشعار، أو حتى رسومات لا يهم كثيرا.
طفل لن يقبل الهزيمة، فيحاول أن ينتصر، أحيانا ينس طموحه فيحترق في غياهب النسيان، أحيانا أخرى ستشعل طموحه إلى الحد الذي يجعله ينفجر لعله أن يرضيها فيفشل، لكنه دون أن يدرى قد كتب أجمل رواياته وأشعاره التي سيخلدها التاريخ، وأنه لم ينل إعجابها لأن الأمر لا يتوقف على العبقرية فقط فانظر وتفكر قليلا!
طموح سينس كل ما حدث كأنه لم يكن ويتفرغ لصناعة المال، فيدهس هذا و يهدم بيوت ذكريات ذاك بلا أمل ولا ألم فكل هذه الأشياء انتهت، أو ربما عند تقاعده سيتذكر كل ماحدث لا علم لى !
واعلم أن أعظم الروايات قد تبدأ ب(هي) ثم يقرر الكاتب أن يخفي آثارها فيكمل بناء روايته محاولا إخفاء آثار أنها (هي) حجر الأساس، وأن كل ما كتب أو سيكتب يدور حولها ، سينجح لكن"من ذاق عرف"، فنظرة قارئ عاشق للرواية ستخبره بكل شييء. واعلم أن كمال هو محفوظ وعايدة شداد في الأغلب هي الفتاة التي خلبت لبه في زمن غابر وأن الثلاثية العظيمة ربما هي نتاج لحب، لنزوة طارئة آلمت بعبقري فقرر أن يخلد حبه. فتأمل ولا ترمني بالجنون!
واعلم يا صديقي أن هؤلاء الثائرين قد قروءا لمجذوب آخر عن الثورة والحب، فققرروا أن يلبوا نداء غواية التمرد فامتلئت الشوارع بالمجاذيب الذين يهتفون حرية، ثم سرعان ما انطلقوا يخلقون قصص حبهم - مآسيهم فيما بعد - ثم انفضت الجموع ولم يبق من الهتافات والقصص المجنونة سوى آثار باهتة وشبح حكاية سيحكونها فيما بعد لأحفادهم. سيحكون لهم عن نداء الحرية، والحب الذي يصنع المستحيل، وكيف أنهم أول من قرر أن يصنع ملحمة على ضفاف النيل وأنهم يختلفون عن أسلافهم، سيحكون كل هذا دون أن يدركوا أنهم في حقيقية الأمر يكررون قصة لا تنتهي بشكل آخر أكثر ملحمية، فتعلم وتفكر قبل أن تصيبك الغواية أنت الآخر يا هذا!