الاثنين، 14 سبتمبر 2015

خواطرعن الكتابة: الكتابة كخمر للروح




للكتابات الجميلة نشوة تشبه نشوة الخمر، حسنا انا لم أذق الخمرمن قبل لكنني رأيت سكاري منتشون رأيتهم يتمايلون في الطرق كأن عقلهم قد ذهب، سمعت أحاديثهم عن الآفاق التي يحلقون فيها، الكتابة الجميلة تفعل هذا أيضا، هذه الفتاة الجميلة ذات النضارة الفضية التى تكاد لا ترفع عينيها من الكتاب التى تقرأه فى انتظار قطار المترو القادم تبدو رزينة من بعيد، فتاة عادية فى انتظار القطار الذى سيأخذها للبيت بعد يوم عمل طويل مثلها مثل ملايين الفتيات لا يعلم الناظر إليها أى نار تضطرم داخلها، نيران تجعل روحها تتراقص كلما مرت عيناهاعلي سطر تلو السطر، هذا الفتي الهادئ تهدر روحه بعنف من فرط الشهوة في الأغلب لو ظهرت سمكة قرش بغتة في البحر الذي أمامه لن يلاحظ فهو يري بحار أخري ويعيش الآن في عالم آخر، الأمر أشبه بتلك الحالة التى يتحدث عنه الصوفيون التى فيها ينعزلون عن كل الأشياء والأشخاص و يحلقون فى عوالم أخرى، هنا أيضا يحدث نفس الأمر و يصبح العالم المسطور لحظة إمساكنا بالكتاب أو القلم هو العالم الحقيقى بينما حياتنا العادية تبدو كحلم عابر بعيد.

الكتابة الجميلة خمر لقارئها ولكاتبها، ذات مرة بعد أحد الخلافات مع تلك الفتاة الجميلة التي كنت أحب كان الألم يعتصر روحي فكتبت كما لم أكتب من قبل ولحسن حظي راق لي ماكتبت فانتشت روحي و تواري الألم كأنه لم يوجد من قبل، تفتحت أمامي بوتقة من النور رأيت فيها أحدهم يخبرني أنه مهما حدث بيني وبينها فهي كانت ضرورة لاكتمال دربي ونزوعي – مثل أي انسان -  للسعادة الدائمة وأنني في النهاية لن أتذكر إلا سحرها، كان السكر اذا مفيد الي لكي أحلق في تلك الآفاق المغلقة في وجوه الذين لم يلامس حب الكتابة/القراءة قلوبهم.

 الكتابة الجميلة تسري في اتجاهين ستكتشف بعد فترة أنه كلما قرأت نص جيد ستصيبك تلك الرغبة أن تكتب أنت أيضا، الرغبة في أن تصنع الخمر الذي تشربه بعد أن تذوقت حلاوة الخمر الذى يصنعه الآخرون سترغب فى أن تشارك أنت أيضا فى هذا الأمر، ستنتابك الرغبة أن تمسك القلم و تبدأ فى نسج عوالمك الخاصة، هؤلاء الكتاب العظام أصابتهم تلك الرغبة وهذا المس الإلهي ذات يوم بعد قراءة نص جيد لكنهم يختلفون عنا في أنهم استسلموا له تركوا أنفسهم للنشوة وجعلوا قلوبهم تتقبل هذا السحر، انتشوا ولم يخف أحدهم من هذا الجمال حتي لو بدا من بعيد أنه جمال قاتل يمتص الأرواح.

الكتابة الجميلة تدفع صاحبها دفعا لبثها كشارب الخمر الذي علي الدوام يحتاج لنديم كي تكتمل نشوته يحب كل من أسكرته النصوص الساحرة أن يشاركها مع الجميع لتكتمل نشوته.

ربما الأمر يتخطي لذة الخمر ففي وسط الكلمات التي تخلب لبك يمكنك أن تري بسهولة أن الكتابة تجلي لصفة الخلق الإلهية كأن الله عندما نفخ فينا من روحه اختص هؤلاء الموهبين بشذرات من هبة الخلق و هو شيء ليس له مثيل.