الخميس، 31 ديسمبر 2015

العزيزة التي لا يجب ذكر اسمها لأسباب لا مجال لذكرها الآن
كتبت ذات مرة - او للدقة نسخت - بداية عهدي بالفيسبوك احد تلك العبارات التي كنا نظن في ايام مراهقتنا البعيدة تلك ان خلاصة حكمة الكون و تجارب الأوائل مركزة في تلك العبارات، فكنا ننسخها دون ان نلتفت لفحواها فما يهم هو أن نظهر بمظهر العارفين بتلك الحكم التي سينهار العالم بدونها بكل تأكيد:
"It's amazing when strangers become friends but it's so sad, when friends become strangers"
علي الرغم مما اثارته تلك الكلمات في نفسي من ضحك وسخرية بعد سنوات من كتابتها وتعجبت من المراهق الذي كنت، لكنها الآن تخطر دوما في ذهني كلما استغرقت في التفكير.
بدأت الغربة مع هؤلاء الأصدقاء الذين لم اعد اسمع عنهم بالشهور دون أن اشعر لافاجئ عندما احاول ان اتذكر متي كانت اخر مرة تحدثنا ان هذا كان منذ رمضان الفائت، وان الحديث اقتصر فقط على معايدة باهتة وسؤال عن اخبار العمل المملة و الجيش الاكثر مللا اما تلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تصنع صداقتنا فقد اختفت تماما...
هكذا يصبح الأصدقاء غرباء عزيزتي، لا يكون الامر بتلك الصورة الكارتونية التي كنا نتخيلها ونحن اطفال صغار باننا لن نتحدث ثانية لهذا سنصبح غرباء، الحقيقة اننا سنتحدث لكن ستختفي تفاصيلنا الصغيرة رويدا رويدا حتي تحل الغربة محلها. حدثتك من قبل عن صديقي عاصم هذا الذي اختار ان يسافر سريعا بعد التخرج و لم نتحدث وجها لوجه منذ عام، احرص على التواصل معه كلما سنحت الفرصة ، ربما انا اكثر اصدقائنا المشتركين تواصلا معاه، لكنني اخاف تلك اللحظة التي ستحين بعد ايام قليلة واقابله فيها، اخاف من ان اشهد تلاشي تفاصلينا الصغيرة، الامر قد يبدو سخيفا نوع من " الدراما كوين مومنتس " كما كان يحلو لك تسميتها لكنه يظل خوف كامن يثير الهواجس والفزع في ليل الشتاء الطويل وبرودته التي تجمد الأرواح.
الأمور ليست بهذا السوء بالطبع فلازال هناك الكثير من الأصدقاء الذين ازدادوا قربا ولم يبتعدوا لكن هذا لا يمنع ان الخوف من المستقبل لا يزال قائما فسنة واحدة فقط هي التي مرت منذ ان تفرقت سبلنا و لا اعرف كيف سيكون الوضع بعد عدة اعوام.
كتب د/اشرف الشريف منذ ايام قليلا ناعيا استاذا له تفرقت بهم السبل حتي فوجئ بوفاته نصا جميلا اختتمه باقتباس معدل من ثلاثية محفوظ:
..."و كما قال كمال عبد الجواد لنفسه عندما تلقي بالمصادفة خبر وفاة عايدة شداد بعد إنقطاع اكثر من ١٥ عاما في خاتمة ثلاثية نجيب محفوظ اقولها ايضا : "فان كان ثمة حزن الان فذلك فقط لاني لم احزن عليك يا شهاب كما كان يجدر بي"
هذا هو اكثر ما يخيف ان تصل الامور لتلك الدرجة و يتحول هؤلاء الأصدقاء لماضي بعيد يثير الدهشة في نفسي عندما اتذكره، و احزن لحلول الغربة بدلا من حزني علي الأصدقاء ذاتهم. الخوف من تحولك انت ذاتك لشبح من ماضي بعيد لشخص لن اعرفه حينها رغم ان هذا الشخص هو انا، هذا الخوف هو الذي كان ماثلا امام عيني دوما في الايام العاصفة الفائتة وسيظل دفينا في اعماق نفسي علي الدوام  فكل تلك الثرثرة لن تغير من حقيقة ان هذه هي طبيعة الحياة.
المخلص دوما
محمود