الجمعة، 22 مايو 2015

على ضفاف النيل


هذا سفح جبل خالى من البشر لا أثر لحياة عليه. يكاد العطش أن يقتلنى، أتلفت حولى يائسا فأجد شابة سمراء مليحة تلوح لى فى صمت، تبتسم بينما تترقرق الدموع فى عينيها، تشير لى أن أتبعنى، تمشى ببطء جهة الشرق، أتبعها كالمسحور و إذا بالآلاف يتدفقون من حولى يسيرون ببطء ورائها، السفح يمتلىء بأمواج من البشر، الكل عطشى، يسيرون كالسكارى وراء السمراء - هكذا أطلقت عليها - يلوح فى الأفق نهر طويل هادر، مائه صافى كأنه نهر من الجنة، تقف على شواطئه حسناوات تُسر لرؤيتهم الأعين أجد حولى رفاق من الجامعة، من الحى الشعبى الذى أقطن، حتى أننى وجدت فرَّاش مدرستى القديمة يُلوّح لى فى سعادة. على بعد أمتار يقف رجل ذو هيبة وجمال  يناديه أصحابه "لبيك يا حسين"، أُسرع لكى اقترب منه لكنه يختفى كأنه لم يكن!
أتلفت حولى أجد فتى طويل نحيل الجسد عيناه مليئة بالشجن يشبه هؤلاء الشعراء الحالمون، سمعته ينشد
-         يا  ولدى خايفة عليك ، سحروك و ضحكوا عليك تركوك فى الشارع تهتف .. و بكرة يقتلوك
نتأهب للشرب من النهر لكنى أرى من بعيد سحابة من السواد تتحرك ناحيتنا  تفصل بيننا و بين النهر، يهتف البعض: "الغربان...الغربان قادمة" ،تعلو صوت الهمهمات ، تتبين فيها أصوات الخائفين من الغربان التى تفقأ عيون العطشى، يخبرنا أحدهم أن نهايتنا هنا مثل من سبقونا سنفقد عيوننا و نتخبط على ضفاف هذا النهر حتى نموت، لكن يطمئنا هذا العجوز أن الغراب جبان سيخاف بالتأكيد من أصواتنا العالية. نتجه بحذر ناحية النهر، الغربان تحوم حولنا و تبدأ فى النعيق يخاف البعض ويتراجع لكن معظمنا يكمل طريقه ناحية النهر، تهجم بعض الغربان و تسيل الدماء، لكننا لا نتراجع، تشتد الهجمات و لكن مع اشتدادها  تعلو أصواتنا. يسقط محمد رفيق الدراسة يتبعه أيمن جارى، أريد أن أصرخ أن أبكى لكن الغربان لا تزال تهاجمنا لا وقت للصراخ الآن، تمر ساعات و يسقط منا الكثيرون، أصواتنا لا تنخفض و تقدمنا نحو النهر مستمر، أخيرًا تبدأ الغربان فى الطيران بعيدًا، نصرخ من الفرحة و نبكى و نقهقه عاليا الآن نستطيع أن نشرب و لكن قبل أن نشرب نسمع الكلمات الآتية "لا تشربوا منه الا قليلا فمن استزاد فهو ليس منا" لا نعرف مصدرها نهز رؤوسنا يبدو أننا توهمنا هذه الكلمات.
 اتجهت ناحية الشرق بحثا عن مصطفى وجدته منهمك فى الشرب من النهر ويدعونى لكى أشاركه، شربت مع الشاربين فى شره، تذكرت الصوت الذى تردد ورأيت من بعيد مجموعة من الغربان يترقبون، هممت بالتوقف لكننى لم أستطع شربنا حتى الثمالة هتفنا انتصرنا رقصنا و احتفلنا و بدأ البعض يتحدث عن أننا سنبيع مياه النهر للعطشى من القرى الأخرى!
جاء من أقصى الشاطئ رجلا يسعى قال هلموا يا رجال القيصر لم يمت، القيصر حى و سيستعيد نهره، يقذفه البعض بالحجارة بينما ينضم إليه بعضنا الآخر، نتقاتل يحاول بعضنا أن يمنع الآخرون من الشرب من النهر استعدادا لبدء بيع المياه أشارك فى القتال ثم انسحب، أرى الشابة المليحة تبكى، أسمع ضحكات القيصر العالية بينما الغربان عادت  تملأ الأجواء من جديد  أعينها تقدح شرارا، يُهيأ لى أننى أسمعها تقهقه تحيط بالشابة المليحة يمكنهم قتلها بسهولة لكنهم لا يقتلوها لدهشتى، تتدخل الغربان فى المعركة الدائرة تقتل و تفقأ عيون الجميع، أرى عشرات الغربان تتجه ناحيتى
أحاول الهرب، أقفز فى النهر محاولا الوصول للضفة الأخرى، هناك وجدته عجوز منهمك فى الكتابة لا يبدو عليه أنه يلاحظ ما يحدث، أحاول أن أستنجد به لكنه لا يرد كأنه لا يسمع صرخاتى، نظرت لما تخطه يمناه وجدته يكتب "يا حالم حلمك ده و لا نهر الجنون !"
تلحق بى الغربان و تبدأ فى مهاجمتى، قبل أن أفقد وعيى سمعت أحدهم يقول وهو يبكى بصوت مكتوم
-         ربى قد مسنى الحلم  فارحمنى أنت خير الراحمين !