الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

اختناق صباحي



استيقظ صباحا أشعر بالاختناق و قليل من الكآبة لا ليست الكآبة – الكآبة كشعور يصيبنا لا أقصد المرض –  المؤقتة  الناتجة عن عدم النوم لفترة كافية، ليست الكآبة المعتادة التي جربتها من قبل عندما كنت أرغب بالنوم لساعات  فأنا قادر بالفعل على النهوض من الفراش بهمة ونشاط لكن هناك شيئ يجثم على روحي، شيئ يجذبني للجلوس بالمنزل وعدم الذهاب للعمل، استيقظ في الثامنة لكنني لا أخرج من المنزل سوى في التاسعة والنصف !

حسنا بعد أن استيقظت أفتح الفيسبوك ليلاحقني سيل من الأخبار عن مهند الفتي الذى مات بالسرطان، بوستات تعاطف يلحقها "سكرين شوتش" لكتابات يؤيد فيها داعش. شمامين الكلة، عديمي الانسانية، مئات التعليقات المليئة بالشتائم. أشعر بالاختناق. يتواصل سيل الأخبار لكن هذه المرة عن الدولار الذي سيزيد سعره والخطة الاقتصادية الحكيمة للرئيس والبلد التي غرقت ولن تنهض ثانية، كوميكات تجعل روحي تختنق أكثر فأكثر. أفكر كيف يتحمل الناس كل هذه الكآبة، كيف أشارك شخصيا في كتابة هذه المحتوى ومشاركته مع الأصدقاء ألا يحق لنا أن نستريح قليلا من كل هذا العبث. تنتهي بوستات الشأن العام لتبدأ بوستات السفر، و ريال مدريد الذي تعادل في نفس يوم هزيمة برشلونة. ثم تتعدد المواضيع، كيف تتزوج، عشر طرق لاختيار حبيبتك المقبلة، عشرات الأخبار عن جائزة نوبل. شبكات التواصل الاجتماعي تضغط على روحي أشعر بأنني انسحق تحت وطئة كل تلك الأخبار أشعر أنه يتم بسترتي بعنف دون توقف. أيام كهذه بثقلها الذي يصيب ذهني تجعلني أؤقن أننا بالفعل غير مصممين لتحمل كل هذا الكم من الأخبار بتطرفها – تطرف في تنوعها –  كما كتب كريم عمر من قبل*.

أشعر بمزيد من الاختناق أفكر أنني لم أعد راغبا في انقاذ العالم، لم أعد قادرا على إنقاذ أصدقائي، طاقتي نفدت لكنني لا أستطيع سوى أن أبذل ما بوسعي  لمساعدتهم فأنا لا أستطيع أن أتحمل شعور أنني خذلت أحدهم حتى لو كان المقابل أنني أستنزف روحي أكثر فأكثر، أعلم أنني مخطئا فهذا لكن هذه طبيعتي التي جُبلت عليها. أفكر في أنني لم أعد حتى قادرا على إنقاذ نفسي.

أفكر أن ليلة أمس كانت تشي بتلك الكآبة الصباحية، كنت أحدث باسم في الهاتف، نناقش فرح مسعد صديقنا وترتيباته بينما على شات الفيس بوك يحدثني صديق " مازن سعيد"عن أوراق الماستر التي لم نسلمها بعد و"ديدلاين" تسليم تلك الأوراق، ثم يسألني عن مادة سخيفة أخرى نرغب في دراستها، أفتح شات آخر مع صديق آخر "سعيد" لكى أساله. أشعر بالإرهاق، أرغب في أن أغلق السماعة مع باسم وأغلق كل نوافذ الشات المفتوحة ولتذهب المواعيد للجحيم فكل ما أريد الآن أن أنام لكنني أجبن من أن أفعل هذا. أتحمل الاختناق بصعوبة، ثم يرن هاتفي المحمول، ابن خالي يحدثني لأحل مسألة جبر له أريد أن أصرخ لست جاهزا الآن لنحلها بكرة لكنني أحلها وأكلم خالي بعدها لأخبره أن ابنه بحاجة لمدرس له لوحده وأعده أنني سأجد هذا المدرس. أختى تحدثني عن مذاكرتها للأحياء واختلافها مع أمي، أخبرها أنني مرهق لكنني أتذكر أنني أحاول منذ فترة أحاول أن أدخل لعالم أختى الصغيرة، أحاول أن أصادقها وأحاول أن أساعدها في الثانوية العامة فأعود لها لأستمع. قبل كل هذا حدثني أحمد حافظ لألتحق بتمرين السباحة بالأمس، لكنني أكثر كسلا أو لنقل إرهاقا  من أن أعوض حصة فاتتني أخبره دعها غدا أو ربما الأربعاء.

أذهب للفراش، أفكار متضاربة تنتابني،  أشعر أنني لم أعد قادرا  على إعطاء المزيد من الاهتمام، مزيد من المجهود. أريد أن أتوقف عن فعل كل شيئ  ومقابلة أي كائن، ارغب في التنصل من كل مسئولياتي. أشعر أن نفسي مكددوة تحتاج لراحة سلبية تماما، بعيدة حتى عن أهلي وأصدقائي، ربما اكتفي بشخص واحد فقط منهم يشاركني تلك العزلة. في نقس الوقت أجد أن نفسي لا تطاوعني فلازلت أظن أنني قادر على تغييير العالم وإنقاذ الجميع حتى وأنا أشعر بكل هذا التعب. أفكار متضاربة تماما!

هذا ما حدث بالأمس، اذا الكآبة الصباحية تصبح أكثر منطقية الآن. أرتدى ملابسي سريعا فأنا لازالت المسيطر هنا رغم هذا الاختناق وسأذهب للعمل.  تقفز في ذهني الآن الشخصيات ذات الأفكار المسمومة التي تحيط بنا. هؤلاء الكئيبون حياتهم عبارة عن حلقة من مسلسل درامي طويل مليئ بالدموع التي لا تنتهي أتفهمهم أحيانا ولا أفهمهم في أحيان كثيرة، أفكر أنني أحيانا كنت أقوم بهذا أيضا، أسال نفسي كيف ننقذ معارفنا من هذا النوع؟ لا أعرف أشعر أحيانا كثيرة نه لا يمكنك إنقاذهم سيسممون عقلك – دون قصد منهم – مهما ادعيت أنك منيع وأنك ستنقذهم. لكن شعوري الدائم بأنه يمكن إنقاذ الجميع يجرفني ثانية للتفكير في أنه يمكن إنقاذهم.

أهبط على درجات سلم منزلنا، أتذكر أنني أهمل كتابة مذكراتي في تلك الفترة رغم أنني أعي أنني سأبحث مستقبلا عن الشخص الذي كنت. كنت أطمئن نفسي في السابق أنني سأجد هذا الشخص في سطور كتاباتي الأخرى الأدبية والسياسية لكنني لأول مرة أخاف ألا أستطيع التعرف على هذا الشخص من سطور كتاباتي الأخرى. ربما فقط سأجد لمحات منه في تلك التدوينات الشخصية التي أقوم بكتاباتها، يجب أن أعود لكتابة مذكراتي اذا!

في العمل أشعر بمزيد من الاختناق، أبتسم عندما أتذكر كلامي لشريف أنه بحاجة لاجازة يبتعد فيها عن الضغوط فيبدو أنه ليس الوحيد الذي يحتاج لمثل تلك الراحة هنا. أتذكر أحد لحظات سعادتي الكثيرة وأنا طفل:
كنت طفلا نحيلا لا أملك كل وسائل المتعة الحالية لكنني أبدا لم أشعر بالملل كنت سعيدا جدا وسط جنودي البلاستيكية وكرات البلي التي كنت أصنع منها قوات خاصة والمكعبات التي كانت تمثل الحصون التي تختبأ بها قواتي والبلاط العاري الذي أصبح فيما بعد سيراميك لكنه ظل دوما البحر الذي تشق سفني البلاستيكية الصغيرة مياهه العميقة لتقصف الأراضي المعادية على الناحية الأخرى من الغرفة. ربما  لحظة مثل تلك هي التي أنشد. لا أنكر أنني أشعر بهذه السعادة أحيانا لكنني أريدها دائمة، لا أرغب في سعادة غير متناهية لكنني أرغب في سعادة هادئة مثل هذه، لا يكدرها سوى حزن أكثر هدوءا. ربما هذا الهدوء هو الملاذ، هدوء أغبط هؤلاء الذين وصلوا إليه.

أجلس الآن في العمل أكتب هذه السطور الكئيبة – التي قمت بتنسيقها الآن لكي أنشرها –  لأن عقلي مسمم غير قادر على الانتاج ربما الكتابة تساعدني على تفريغ تلك السموم والمشتتات لكن هل حقا تخلصنا الكتابة من السموم التي يحتويها عقلنا لا أعرف و لا أظن أنني سأعرف. منة صديقتي تخبرني أنه ليس دائما تفعل هذا لكنها في أغلب الحالات تساعد. حسنا أميل لتصديقها.


PS:
أفكر في خطة سريعة لمحاربة هذا الاختناق،  هروب ليوم واحد فقط ربما هو الخميس القادم لمزرعة خالي حيث الكتب هي الرفيق – أفكر أنه بدون مزيكا سيكون الأمر أفضل لكننى لم أقرر بعد –، أرغب في أن أتقن شغلى  أكثر من هذا سيساعد أيضا.

بوست كريم عمر المشار إليه في النص هنا*