الأربعاء، 4 يناير 2017

بداية عام جديد AKA وداعا 2016


عاما آخر مضى، المزيد من الدماء، والمتفجرات، والقتلى. الجنون لازال يجتاح العالم، اليمين يصعد في كل مكان، والحالمون يتساقطون فهذا عالم بشار وذئاب داعش المنفردة. بينما كل ما تبق من العالم الذي ظن الثوار أنهم نسجوه منذ ست سنوات  يقبع الآن تحت جنازير الدبابات وأقدام الجنرالات. اليائسون يجوبون الأرض يصرخون في فزع مما حدث وما سيحدث، فكما قال الملك  ثيودين في سيد الخواتم:
"So much death. What can men do against such reckless hate?"

أما نحن - الذين لازالنا على قيد الحياة حتى الآن ولم يتم احتجازنا في سجون الطغاة ولم ننضم بعد لجحافل اليائسين الصارخة - نحاول أن نحيا على هامش تلك الحياة، أن نصنع فقاعات صغيرة نحيا بداخلها فربما تحمينا من شظايا القنابل ومرض الجنون الذي اجتاح مدن هذا العالم. نحاول أن نحفظ عوالمنا الصغيرة من الإنهيار الذي أصاب عالمنا الأكبر.

حسنا لنستغل بداية العام الجديد  لنتحدث عن عوالمنا الصغيرة ونحكي عنها وعن ماذا تغير في السنة الفائتة، أما العالم الأكبر المليئ بالشر والكراهية والثوار المنهزمين وأطلال المدن المحترقة  فنملك أيام قادمة كثيرة يمكننا التحدث عنه فالآن ليس وقت هذا.
-----

انتهى الجيش ومع نهايته في الأول من مارس كانت بداية 2016 بالنسبة لي. تجربة الجيش الخاصة بي لم تكن سيئة في المجمل. أهم مكاسبها الرفاق الذين عرفتهم أثنائها رجالة اللواء سيد (مصطفي-علاء-ميجز-مجدي-عبده-ابراهيم-زياد-سنبل). تزامنت نهاية الجيش مع ما ظننته نهاية لتجربة شخصية بطريقة مؤلمة للغاية نتج عنها خسارة شخص عزيز للغاية. كان الإرتباك سيد الموقف في اوائل السنة الفائتة فبالرغم من أن نهاية الجيش يعتبر لحظة سعادة صافية إلا أن التشتت والقرارات السريعة التي كان يجب إتخاذها بخصوص مشواري المهني وتجربة خسارة شخص عزيز كانوا كافيين أن يسببوا لي الارتباك.

مع مرور الأيام والشهور بدأ الإرتباك ينتهي تدريجيا. اتخذت العديد من الخطوات التي تبين لاحقا أنها صائبة. خضت مخاطرة محسوبة ووافقت أن تكون أول وظيفة لي بعقد مؤقت لمدة شهرين كونها الأكثر مناسبة لي من الناحية (التيكنكال). شجعني على خوض هذا عاصم الشيمي، خالد يحيي، وزياد، وكانوا من أكثر الداعمين في هذا الشأن وفي تهدئة مخاوفي في أمور أخرى، ممتن لهم للغاية. الآن - ونتيجة لهذه المغامرة -  أنا أعمل بعقد دائم في وظيفة أعتقد أنني أحبها. الشخص العزيز الذي ظننت أنني خسرته في بداية العام عدنا للحديث ثانية، عدنا مقربين. التجربة المؤلمة التي مررت بها كانت الوسيلة الأفضل لنصيغ علاقتنا بطريقة أفضل لكلانا دون أن يؤذي أحدنا الآخر.

بمجرد مرور شهر وبضعة أيام  من نهاية الجيش كنت حصلت على وظيفتي الأولي في شركة منتور. شعرت بالسعادة رغم التشتت النفسي الذي كنت أمر به، مرت الشهور الأولي لحصولي على الوظيفة بعضها جيد والبعض الآخر - ربما أكثر قليلا من الأيام الجيدة - سيء ذلك حتى شهر رمضان الذي أدخل السكينة على روحي كعادته. بعد نهاية رمضان بدأت السنة تتخذ منحني آخر. قمت بفعل مميز جدا لأحدهم، ثم في شهر سبعة بدأت تعلم السباحة، أحد الأشياء التي كنت أريد أن أفعلها منذ زمن ووضعتها في قائمة أمنيات عام 2016. في اليوم الأول لتعلمي السباحة وبعد التدريب كتبت الآتي :

"سنة الأشياء المتاخرة او ان تاتي متاخرا خيرا من الا تاتي ابدا انهاردة بدات سباحة انبسط جدا ويارب الحماس يفضل موجود"

الآن مع نهاية العام اصبحت أستطيع السباحة بالفعل - كنت أخطط ليكون هذا متزامن مع عيد ميلادي لكن لا بأس - وسعيد جدا بتلك الخطوة التي تاخرت كثيرا. على ذكر الأشياء التي تأخرت جربت لأول مرة (سواقة العجل) - لا أعرف لماذا لم أتعلم هذا وأنا طفل لكنني كنت طفل أغوى الأتاري والقراءة- كان هذا في الساحل الشمالي. شعرت بالسعادة جدا بسبب هذه التجربة الطفولية. بالإضافة للسباحة قمت بممارسة الجري ثلاث مرات أسبوعيا لمدة أسبوعين حتى توقفت بسبب جيوبي الأنفية وتعليمات الطبيب. الرياضة  بوجه عام ساعدتني كثيرا في تحسين حالتي النفسية.

 شهر أغسطس خاصة منتصفه الثاني من الأيام الجديرة بالذكر ففيه حصلت على عقدي الدائم في العمل، تعرفت على الصديقة منة العزيزة التي تعتبر من مكاسبي هذا العام، وكنت احرز تقدم لا باس به في السباحة، بينما علاقتي بالشخص العزيز الذي كنت ظننت أنني خسرته كانت بدأت تعود تدريجيا بقوة وثبات. كل تلك الأشياء بالإضافة لدعم الأصدقاء كانت من أهم أسباب انتهاء حالة التشتت التي كنت أمر بها وعودة استقراري النفسي لحد كبير. ربما لو يمكنني أن أحدد لحظة ما لبداية عودة الاستقرار النفسي فهي بالتأكيد تقبع في المنتصف الثاني من شهر أغسطس الذي كان رفيقا هذا العام على عكس من طبيعته الثقيلة على النفس. 

معدل مقالاتي وتدويناتي - باستثناء شهري يناير وفبراير - قل هذا العام بسبب انشغالي في العمل الجديد ودوام الثمان ساعات القاتل، لكن الخبر الجيد أنني حصلت على أولى جوائزي الأدبية إطلاقا هذه السنة. حصلت على المركز الأول في مسابقة نقابة المهندسين للقصة القصيرة من بين ما يزيد عن خمسين متسابق عن قصتي القصيرة جنية على البحر التي استلهمتها من ثورتنا وتأثرت في أسلوب كتابتها بسعيد الكفراوي. كانت إحدى اللحظات الاستثنائية والسعيدة للغاية هذا العام. بذكر الكتابة لأول مرة جديا هذه السنة أفكر أنني ربما بعد عشر سنوات من الآن سأتوقف عن كوني مهندس في دوام عمل دائم، ربما استعيض عنه بدوام جزئي ( part time ) أو حتي اتوقف تماما لا أعرف.

شهدت 2016 سفر الكثير من المقربين، محمد أسامة سافر لتركيا وعاصم لأمريكا ولحقهم أحمد أخي للسعودية. أفتقدهم بالفعل، لكن لا بأس فالتكنولوجيا ساعدتنا كثيرا في تخطي هذا الأمر. أتواصل مع عاصم بمعدل مكالمة أسبوعيا. تقريبا نتبادل فيها كل تطورات حياتنا التافه منها والجاد. سعيد بأننا أصبحنا مقربين لتلك الدرجة. تجربة عاصم بأمريكا مميزة، في انتظار كتاباته عنها. أحمد أخي نتحدث كل يوم تقريبا، أما أسامة فلا يوجد توقيتات ثابتة. السفر لم يعد ذلك الكابوس الذي يخيفك بأشباح الغربة والبعد عن بلادنا الدافئة الطيب أهلها. بالطبع الغربة قاسية لكن بلادنا أصبحت أكثر قسوة. أعرف أن السفر أحد الخيارات الممتازة لأقراني في هذه الأيام الصعبة، لهذا رغم ما يسببه تفرق سبل الأصدقاء إلا أنني أتفهمه وخاصة أنني أرغب أن  أخوض تجربة مماثلة.

تجربة السفر المكثف التي يمتاز بها جيلي تجربة مثيرة للإهتمام، تحتاج لدراسات أكثر وبعيدا عن الدراسات الأكاديمية الجافة تحتاج لكتابات انسانية أكثر من أصحاب التجربة أنفسهم،بالتأكيد ستنتج أدب إنساني مبهر.

في 2016 العديد من الأصدقاء المقربين جدا ارتبطوا. هاني ولبني أخيرا فعلوها، أحد أهم أحداث 2016 بلا شك. كنت سعيد الحظ بأنني شهدت جزء كبير من تلك القصة الرائعة، أتمني لهم كل السعادة التي يستحقوها بلا شك. سعيد أيضا خطب في الساعات الأخيرة من 2016. شعور الارتياح والسعادة في صوته بعد عناء طويل ليكلل حبه بالارتباط الرسمي يبعث في روح المستمع إليه سعادة كبيرة. قصة حب سعيد لخطيبته ونجاحه في النهاية أثبت لي أنني لست واهما عندما أؤمن أن الحزن واليأس ليسا دائما مصيرنا وأننا يمكننا أن ننجح وأن آمالنا كثيرا ما تتحقق. اذا في العام الفائت صديقان من المقربين جدا كللا قصتي حب بارتباط بالتأكيد هذا من أحداثي السعيدة  جدا في 2016. مسعد تزوج أيضا، صديق الثانوية العامة وسنوات الكلية الأولى ومغامراتها التي تضحكني كثيرا أصبح زوج. خبر سعيد آخر. لكن ربما لو أخبرني أحدهم بهذا منذ سنتين كنت سأضحك فلم أكن أتخيل حينها أننا كبرنا لهذا الحد. 

أخيرا سافرت أسوان بعد غياب دام ست سنوات تقريبا، رغم أن الزيارة كانت قصيرة جدا عشر ساعات تقريبا وكان هدفها تقديم واجب عزاء إلا أنني شعرت بالسعادة جدا. وبذكر السفر سفرية الاسكندرية التي كانت في اليوم السابق لعيد ميلادي كانت من أجمل أيام تلك السنة أيضا. فوزي، مجدي، شريف، جودة، مازن، وسعيد كانوا رفاق تلك السفرية العظيمة للتوثيق.

كانت 2016 جميلة في المجمل أعتقد، رغم بدايتها المؤلمة وشهورها الأولى (خاصة شهر مارس، وابريل، وجزء من مايو)، لكن الأحداث السيئة انتهت وتعلمت منها:

"It is all about how to accept the past even though we have a time turner to change it"*

أملك سطور كتبتها تعبر عن فترات التشتت والألم في بداية العام لكن مكانها ليس في هذه التدوينة بكل تأكيد. ربما الخبر الوحيد السيئ الذي سأكتبه هو أن شريف فقد والده في هذه السنة. كان نخطط للسفر في الأسبوع السابق للوفاة، الأمور على ما يرام لا يوجد ما يشير أن والد شريف سيفارق الحياة. بعد صلاة الجمعة في يوم السابع والعشرين من رمضان شريف يحدثني ويخبرني بصوت مذهول أن باباه توفى، لم أستوعب الخبر ولكنه كان حقيقية. يوم سيء جدا وأعقبه أيام سيئة أخرى لشريف لكن بالرغم من مأساوية الأمر أعتقد أن شريف بعد هذه التجربة أصبح شخصا أكثر نضجا ومع الوقت سينتهي كل الألم الذي أصاب روحه. اقتربت من شريف كثيرا بعد هذه الحادثة وأصبحت صداقتنا أكثر متانة وربما هذا أحد المزايا الغير مباشرة لتلك التجربة الأليمة.

العام الجديد بدأ بالفعل، حضرت حفلة أنغام يوم 2 يناير، بداية جيدة للعام. أملك مخططات أخرى في الشهرين القادمين سيكملان بداية العام الرائعة، أتمني أن تنجح تلك الخططط. ربما أكثر ما أحتاج أن أخذ بخصوصه قرار في العام الجديد هو الدراسات العليا، هل سأكمل هذا الطريق وكيف سأكمله وأسئلة أخرى أحتاج الإجابة عليها.

أخيرا تمنيت العام السابق أن تنعم روحي بالهدوء النفسي. هذا العام أتمنى أن أحقق التوازن بين حياتي الشخصية وبين العمل، توازن أكون راضي عنه بنسبة كبيرة. أيضا أتمنى أن أكتب روايتي الأولى. يا رب تكون 2017 سنة سعيدة :))




*هاري بوتر الجزء الثامن هي من ألهمتني تلك العبارة